إريك زمور يتسلح بالعنصرية في الترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية
أعلن إريك زمور عن ترشحه لانتخابات الرئاسة الفرنسية المرتقبة العام 2022؛ وهو الإعلان الذي كان منتظرا منذ شهور من طرف الطبقة السياسية الفرنسية.
إعلان إريك زمور لم يأت مختلفا عن خطابه المعتاد، والذي بلغ 1,3 ملايين مشاهد في ظرف ثماني ساعات. لم يقدم إريك زمور مشروعا مجتمعيا، يجيب عن انتظارات وقلق الشعب الفرنسي؛ وإنما اكتفى بتقديم الإسلام والهجرة على أنهما سبب كل مشاكل المجتمع الفرنسي.
استعرض إريك زمور كل الكليشهات المألوفة في أدبيات اليمين المتطرف؛ لكن بلغة مباشرة يوجه بها صك الاتهام إلى الهجرة والإسلام، دون أي تحفظ أو مواربة.
في إعلانه الموجه إلى الفرنسيين في عشر دقائق عبر تقنية الفيديو، ركز فيه بالصور على أحداث تظهر إحراق السيارات وأطفال ينتمون إلى الهجرة بالمدارس وعمال مهاجرين، بالإضافة إلى صور الحجاب والصلاة وانهيار المباني، ليحذر الفرنسيين من إمكانية استيلاء الأجانب على بلادهم متسلحا بنظرية التعويض (théorie de remplacement) التي أطلقها بعض المثقفين المحسوبين على اليمين المتطرف وبعض المتعصبين من اليمين الكاثوليكي.
استعمال الهجرة كمشجب تعلق عليه جميع مشاكل المجتمع الفرنسي ليس بالأمر الجديد؛ لكن إعلان إريك زمور، اليوم، عن ترشحه جعله يصل إلى نقطة اللاعودة في مأسسة العنصرية والتعصب والكراهية في الفضاء السياسي الفرنسي.
إريك زمور، الذي هاجم الأجانب بكل ما أوتي من قوة بلاغية ومعرفة تاريخية، أظهر مدى جهله بالدور الكبير الذي لعبته الهجرة في بناء فرنسا اليوم؛ فأصبح واجبا علينا تذكيره ببعض من هذه الأدوار:
1ـ المحررون: الأجانب هم من ساهم في تحرير فرنسا والفرنسيين من ربقة الاحتلال النازي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقبل ذلك في 1870 في معركة فورت بألزاس ضد الألمان.
2ـ البناة: الأجانب هم من اشتغلوا في إعادة إعمار فرنسا، بعد أن دمرت في الحرب العالمية الثانية.
3ـ الأجانب هم من ساهم في إعادة الحياة إلى الاقتصاد الفرنسي (معامل السيارات برونو وستروين، والمناجم، والأشغال العمومية، ومختلف القطاعات الإنتاجية).
4ـ الأجانب هم من ساهم في الإشعاع الثقافي الفرنسي عبر العالم، بتبني اللغة الفرنسية وفي إطار الفرنكوفونية؛ وذلك بإغناء الثقافة الفرنسية بالتراث العالمي. وتكفي الإشارة إلى الأعداد الكبيرة من المثقفين الذين حصلوا على جائزة الكونكور الفرنسية (الطاهر بن جلون، ليلى السليماني وفؤاد العروي كمغاربة).
5ـ الأجانب هم من ساهم في الإشعاع الرياضي لفرنسا، إذ إن الفريق الوطني الفرنسي يتكون من 90 في المائة من ذوي الأصول الأجنبية (نذكر زيدان، عميد الفريق الوطني الذي حصل على كأس العالم ضد فريق البرازيل).
ما ذكرناه يؤكد أن فرنسا ومستقبلها سيكون بالهجرة أو لا يكون؛ لأن فرنسا اليوم تعيش في العالم ومع العالم، إذ نجد اليوم أكثر من 3,5 ملايين من الفرنسيين يعيشون عبر العالم في إطار الهجرة الاقتصادية. وتعتبر فرنسا من بين الدول الأولى في العالم المستفيدة من تحويلات المهاجرين.
إن جهل إريك زمور لا يؤهله للحديث عن فرنسا ومستقبلها؛ وهو ذو الأصول الجزائرية الذي وصلت عائلته إلى فرنسا بعد 1954، أي عشر سنوات بعد أن سكبت دماء عشرات الألوف من الأجانب من أجل تحرير فرنسا.. وما زالت مقابر فرنسا شاهدة على ذلك، حتى أصبح عدد من مات فداء لفرنسا الحامل لاسم محمد يفوق عدد من مات والحامل لاسم مارتن.
نهيب بالمجتمع الفرنسي، الذي تشبع بفلسفة الأنوار والصانع للثورة الفرنسية المبنية على ثلاثية المساوة والعدالة والأخوة، أن يسترجع روح الثورة الفرنسية من مختطفيها من العنصريين وحفار القبور والشعبويين أمثال إريك زمور ومن هم على شاكلته.