جميع الأخبار في مكان واحد

هذا من كرم محمد فأين كرامة محمد؟

هل عدسة السائحة التقطت ما يؤثث لما يمكن أن نفتخر به حدّ البهرجة والضجيج الذي أحدثناه على مواقع التواصل الاجتماعي؟ ألا تحمل ما يحاكمنا ويخجلنا ويذكرنا بأن هناك مغربا آخر تحجبه أسوار من النسيان والتهميش، مغرب يئن في صمت؟ هل كان لا بد لنا من أن ننتظر حتى تلتقط عين الآخر قيمنا وكرمنا بل حتى بؤسنا كي نفتخر به أمام الأمم؟ هل كنا في حاجة إلى من يؤشّر لنا كي نشد الرحال إلى تضاريس البؤس والهشاشة حيث محمد وأمثال محمد؟ هل سنظل دائما آخر من يحدثنا عن أنفسنا؟ وماذا عن صحافة الوقت بدل من الضائع؟

نعم قد تساهم صورة محمد إلى حد ما في ترميم ولو القليل من ذلك الخدش الذي أحدثه على وجهنا ذلك الفعل الإرهابي الإجرامي الداعشي في جبال الأطلس، لكن ما لم ننتبه له ولم نستوعبه هو أنه لم تكن عدسة السائحة لتقول لنا أنتم شعب كريم طيب وكفا، لأن لو كان قصدها كذلك لما كلفت نفسها عناء قطع تلك المسافات من الصقيع كي تحدثنا عن كرمنا، إذ كان يكفيها أن تتقاسم “كصعة كسكسو” أو طجين مع إحدى الأسرة المغربية في إحدى المدن المغربية حيث الأمن والأمان كي تبلغ الصورة. مع الأسف الذي لم نفهمه أو لا نريد أن نفصح عنه ونخوض فيه مما التقطته عين السائحة الفرنسية -كما لو أنها تنبهنا وتقدم لنا درسا في سياسة تدبير الوطن- هو ذلك الكم من الهشاشة والتهميش، هو تلك الحافة من البؤس التي يحيا عليها آلاف المغاربة في جبال الريف، في النجود العليا، في الجنوب الشرقي، في الأطلس… الذي لم ينفكّ منا منذ عهود غابرة، فصورة السائحة هي نفسها واقع بوادينا، فمنذ القدم نفس العيش البدائي نفس وسائل التنقل، كأنما بصورة السائحة تعود بنا إلى القرن التاسع عشر حيث عشرات من البعثات من السوسيولوجيين الباحثين والخبراء والمخبرين والمستكشفين الذين قدموا تقارير مفصلة عن حياتنا. وحينما كتبت المصورة على الفيديو عبارة le Maroc ce” “n’est pas que Marrakech فهي تذكرنا بأن على الهوامش هناك مغرب آخر، مغرب يئن تحت جراحه المتعددة، مغرب يسكن آلامه وأوجاعه، مغرب مستودع لجميع أشكال الهشاشة والإقصاء، وتحت جلده يستوطن جيش من الجياع والمحرومين وآلاف من العاطلين المحترفين، وفئات واسعة ترزح تحت رحمة الفقر المدقع وتنام على البؤس وتستيقظ عليه وتجاور الموت. كأنما تعيد صورة التقسيم المخجل: المغرب النافع والمغرب غير النافع إلى الأذهان. كأنما تسائل نموذجنا وحداثتنا.

كرم المغاربة لم يعد في حاجة إلى من يسوّقه للآخرين بعد أن عرف وسوّق عبر الأقطار منذ زمن ليس بقريب، فما ينقصنا ليس أن يطلع العالم على طيبوبتنا وكرمنا بل العيش الكريم الذي يضمن ويصون كرامتنا في وطننا.

منذ فجر الاستقلال وخطاب الدفاع عن مصالح ومشاكل البوادي يشنف آذاننا لكن ظلت دار لقمان على حالها. فما أقسى دولة لا تمتلك آذانا صاغية كي تستمع إلى آلام وأوجاع مواطنيها ولا أذرع لتحتضنهم، دولة لا تمتلك أي برنامج لبواديها ولقراها. بواد وقرى أهملتها الدولة فاستوطنها البؤس واليأس وعَمَّرَتْها الهشاشة وجاورها الموت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.