جميع الأخبار في مكان واحد

الشامي يقول كل شيء عن نموذج التنمية واقتصاد الريع وضريبة الثروة

في هذا الحوار مع هسبريس، يدلي أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بوجهة نظره حول عدد من القضايا التي تشغل الرأي العام الوطني.

ضمن الصدد نفسه، يجيب أحمد رضا الشامي عن عدد من أسئلة هسبريس حول تنزيل النموذج التنموي ومحاربة الفساد واقتصاد الريع وضريبة الثروة.

ما هي الإجراءات التي ترونها مناسبة لتنزيل النموذج التنموي الجديد؟

أولا، ما يجب أن نفهمه أن تنفيذ وتنزيل النموذج مسؤولية الحكومة. وبالطبع، تضمن البرنامج الحكومي بعض المشاريع المنبثقة من النموذج، التي التزمت الحكومة بتفعيلها، وسنرى النتائج التي ستتمخض عن هذا التفعيل على أرض الواقع خلال السنوات المقبلة.

نحن كمجلس، كما تعرفون، نعتبر مؤسسة استشارية. وبالطبع، تفاعلت معنا اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. وقد قامت اللجنة بدراسة أزيد من 22 تقريرا من تقارير المجلس وأخذوا منها بعض التوصيات. ولهذا، نحن جد فخورين بمساهمة المجلس.

الآن، أريد أن أدلي برأيي كعضو في لجنة النموذج التنموي. لقد كان هناك عمل مهم جدا، وقد قلت سابقا إن تقرير النموذج التنموي لم ينجزه 36 عضوا من أعضاء اللجنة وإنما 36 مليونا من المغاربة.

لقد تم إنجاز هذا التقرير بطريقة تشاركية، سواء داخل الوطن أو خارجه؛ فقد استمعنا للأحزاب والنقابات وللخبراء والهيئات، كما استمعنا للمغاربة المقيمين بالخارج. لهذا، فهذا النموذج يعكس إرادة المغاربة.

ولتفعيل هذا النموذج، اقترحنا آليتين؛ أولاها الميثاق الوطني من أجل التنمية، وهو عبارة عن ورقة تحدد الأولويات والوسائل والسبل والأهداف التي يجب أن تلتزم بتحقيقها أطراف عديدة من قبيل الأحزاب والمنظمات المهنية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والنقابات، وسيتم توقيع هذا الميثاق أمام جلالة الملك كي يصبح التزاما أخلاقيا وسياسيا لتفعيل هذا النموذج.

إن توقيع هذا الاتفاق من شأنه أن يضمن تفعيل النموذج التنموي، فالحكومة الحالية أعلنت عن تنزيل هذا النموذج؛ لكن هل سيتم تنفيذه كاملا؟ وماذا لو جاءت حكومة أخرى؟.

لهذا، سيتم توقيع هذا الميثاق، من أجل التزام الجميع بتفعيل النموذج التنموي كذلك من طرف الحكومات المقبلة. كما سيتم خلق آلية لمتابعة أوراش النموذج التنموي وتقديم تقارير لجلالة الملك بهذا الخصوص.

وأخيرا، أريد أن أقول إن هناك انتظارات قوية من طرف جميع المغاربة.. وآمل أن نستجيب لهذه الانتظارات.

ألا تخشون من أن يقف الفساد واقتصاد الريع حاجزا أمام تنزيل النموذج التنموي؟

حقيقة، إننا اليوم نعرف الحالة الراهنة فيما يخص اقتصاد الريع، وقد تحدثت مرات عديدة حول هذا الموضوع.

إن الأمر يتعلق بقطاعات محمية ومقاولات تحتكر قطاعات معينة، وكذلك منح الرخص والمأذونيات.

إن الأمر يقتضي تفعيل أدوار مؤسسات الحكامة، التي يجب أن تكون حاسمة في محاربة اقتصاد الريع؛ فحينما نرى بأن هناك قطاعا محميا يجب أن يتدخل مجلس المنافسة ويقول “لا” ميمكنش، لا بد من إعادة النظر في قواعد اللعب، ومن يحق له دخول هذا القطاع ومن لا يحق له.

لقد اقترحت، منذ مدة، إنشاء منصة إلكترونية يتم فيها نشر جميع معاملات الدولة؛ فإذا منحت الدولة رخصة للنقل أو للصيد البحري أو لاستغلال المقالع يتم نشرها في تلك المنصة. كما نقترح أن تنشر أسماء الذين يقتنون أراضي الدولة، وأن يتم تضمين جميع المعطيات حول نوعية هذه الأراضي ومساحتها والسعر الذي بيعت به.

إذا قمنا بهذه العملية لوحدها وتمكن المغاربة من الاطلاع على هذه المعطيات، سينتهي كثير من اقتصاد الريع لوحده؛ وذلك بفضل الرقابة الذاتية بسبب نشر المعلومات.

من خلال تقاريركم، يبدو أن الفساد واقتصاد الريع أصبحا جزءا من ثقافة المجتمع.. ما السبيل إلى تجاوز هذا الوضع؟

إذا لم تكن لدينا آليات للتقنين وللمحاسبة وفرض طريقة للعمل، فلا يمكن محاربة اقتصاد الريع، ولهذا وجد القانون وآليات المحاسبة. وإذا كنا نظن أن اقتصاد الريع سينتهي دون هذه الآليات، فذلك غير ممكن، بل سيتقوى أكثر، إذا لم تكن لنا مؤسسات لمحاربة اقتصاد الريع.

ما مدى ارتباط تنزيل النموذج التنموي بتحقيق الديمقراطية ودمقرطة المؤسسات؟

لنكن واضحين، إن الأمر مرتبط ببعضه البعض. ولهذا، حددنا الأولويات ومبادئ العمل، وأكدنا على ضرورة توفر إطار من الثقة والمسؤولية؛ وهو ما يقتضي تخليق الحياة العامة والحريات العامة والديمقراطية والعدالة والحكامة.

هل الإجراءات المتخذة في مجال الحماية الاجتماعية تستجيب لمقترحاتكم، خاصة أنكم سبق أن أعددتم تقريرا حول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا؟

حينما أعددنا تقريرا حول تداعيات كوفيد19 وقدمنا اقتراحات من أجل الخروج من الأزمة، فقد استندنا إلى المعطيات التي نتوفر عليها آنذاك، لكن الأشياء تتغير، فنحن نعيش اليوم حالة من اللايقين، فاليوم لا يوجد بلد في العالم يعرف كيف ستتطور هذه الأزمة في المستقبل.

بالطبع، نحن دعونا إلى اتخاذ إجراءات تحمي المواطن، هذا أول شيء، فضلا عن الشق الاقتصادي. وأظن أن الدولة قامت بالكثير في هذا الموضوع، حتى نكون واضحين، سواء فيما يخص الحماية الجسدية للناس، وهو ما تبين في حملة التلقيح، فنحن من البلدان الأولى في إفريقيا فيما يخص نسبة التلقيح، على الرغم من أننا لا حظنا وجود بطء في عملية التلقيح، حيث وقع نوع من التراخي من طرف المواطنين. وأريد أن أقول أن التلقيح مهم جدا كي يحمي الجميع، يحمي المواطنين والبلاد والاقتصاد، والمؤكد أنه ليس هناك وسيلة للحماية من الفيروس باستثناء التلقيح.

لقد اتخذت الدولة إجراءات عديدة، وقام جلالة الملك بإعلان تعميم التغطية الاجتماعية للجميع، حيث تبين أن الأشخاص الذين لا يتوفرون على حماية اجتماعية يعيشون وضعية هشة. كما أن 5.2 مليون أسرة استفادت من دعم مالي سنة 2020 خلال الحجر الصحي، حيث لم تجد العديد من الأسر ما تأكل.

ما تم القيام به إيجابي، لكن هناك وجه سلبي أبانت عنه الجائحة، حيث تبين أن أكثر من 15 مليونا من المغاربة يعيشون في القطاع غير المنظم.

ويمكننا القول إن الدولة قامت بواجبها فيما يخص حماية المواطنين. أما فيما يخص الاقتصاد، فقد تم منح قروض للمقاولات عبر “ضمان أوكسيجين”، وهذا شيء إيجابي؛ ولكننا نعتقد أن ذلك غير كاف، لأن المقاولة تحتاج إلى الدعم المالي، لكن إذا كانت مدينة وواصلت الاقتراض فمن الصعب أن تتجاوز هذا الوضع.

ولهذا، دعونا إلى المساهمة في رأسمال المقاولات، ليس كلها، ولكن بعضها، ويمكن أن يلعب صندوق محمد السادس للاستثمار دورا في هذا الإطار.

كما أن هناك قطاعات تضررت بشكل كبير، كقطاع السياحة والقطاعات المرتبطة به كقطاع الطيران والصناعة التقليدية؛ وهو ما يستدعي دعما قويا من الدولة لها.

ومما يزيد الوضع تفاقما أن بعض هذه المقاولات قد تضطر إلى الإغلاق دون أن تقدر على مواصلة عملها مجددا؛ وهو ما سيؤثر على القطاع السياحي برمته.

ألا يتناقض تعميم الحماية الاجتماعية مع القدرات المالية للدولة؟

لست متفقا معك، ليس هناك أي تناقض، بل هناك تطابق، وهذا من دروس الأزمة؛ فحتى لو لم يبادر جلالة الملك بإعلان تعميم التغطية الصحية للجميع، فإنه من بين الدروس التي يمكن أن نستخلصها من الأزمة هو تعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة.

حينما تكون هناك أزمة ولا يكون للناس مداخيل، فإن تأمينهم يكون عن طريق الحماية الاجتماعية.

بالطبع، أنت محق في كون القدرات المالية لبلدنا محدودة؛ ولكن أظن أن الرهان الحالي هو العمل على تطوير الاقتصاد مما سيرفع من المداخيل الجبائية، وجزء من هذه المداخيل سيتم توجيهه إلى تمويل ورش الحماية الاجتماعية، لكن يجب ألا ننسى أن جزءا من التمويل يأتي من مساهمات المنخرطين، كل على حسب قدراته.

هناك من يرى أن تعميم التغطية الاجتماعية لن يتم دون رفع دعم المقاصة؟

أقول بأن هناك إشكاليتين؛ الإشكالية الأولى كما قلت هو التمويل، وأظن أنه حينما جاء وزير المالية وباقي الوزراء ووقعوا اتفاقيات الحماية الاجتماعية أمام جلالة الملك لا يمكن أن يكونوا قد قاموا بذلك دون تحديد التمويل، وإلا سنكون أمام مشاكل كثيرة. وأعتقد أن التمويل مضمون دون حاجة إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية؛ لكن أنا من الذين ينادون بأن يؤدي الذين يملكون الإمكانيات الثمن الحقيقي لقنينات الغاز.

وإذا وجدنا طريقة ذكية تمكن المعوزين والفقراء من الاستفادة لوحدهم من المواد المدعمة، فيجب أن نقدم عليها.

ويبدو أن هذا هو التوجه الذي يتم الإعداد له من خلال السجل الاجتماعي الموحد؛ وهو ما سيمكن من الاستهداف المباشر للمعوزين، لأن هناك أناسا يقومون بتسخين بيوتهم بغاز البوتان لأنه مدعم، وهناك من يستخدمونه في الفلاحة وغير ذلك.

من جهة أخرى، فإن توفير التغطية الصحية لحوالي 11 مليون مغربي من الذين يتوفرون على بطاقة المساعدة الطبية “راميد” يتطلب تقوية العرض الصحي، من حيث البنيات الاستشفائية والموارد البشرية.
ولهذا، يجب ألا نفكر في التمويل فقط، بل يجب التفكير في تقوية العرض الصحي كذلك، وإلا فإن التغطية الصحية لا تصلح لشيء.

أحدثت الحكومة ضريبة على الشركات تحت اسم المساهمة التضامنية لتمويل جزء من ورش الحماية الاجتماعية؛ بينما يطالب البعض بالذهاب بعيدا وفرض ضريبة على الثروة لتمويل هذا الورش..

المساهمة الاجتماعية من الموارد التي تعول عليها الدولة لتمويل هذه المشاريع، كما أننا ندعو إلى فرض ضريبة على الثروة غير المنتجة، وهذا يتماشى مع توصيات النموذج التنموي.

أصدرتم، مؤخرا، تقريرا حول الاقتصاد غير المنظم.. ما سياق هذا التقرير؟

نحن نلاحظ أن القطاع غير المنظم يشكل نسبة كبيرة من اقتصادنا بشكل عام؛ فحوالي 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام يأتي من القطاع غير المنظم، كما أن 60 إلى 80 في المائة من العاملين يشتغلون في القطاع غير المنظم.

كما أن الأرقام التي نتوفر عليها، والتي تعود إلى سنة 2014، تشير إلى أن عدد الباعة الجائلين يبلغ حوالي 450 ألفا، وهذا رقم قليل في اعتقادي، إذ إن عددهم حاليا قد يكون حوالي مليون.

كما يجب التمييز بين الأنشطة المختلفة للقطاع غير المنظم؛ فهناك أنشطة معيشية يمارسها الباعة المتجولون والحرفيون، وهناك أنشطة أخرى تهم التهريب وتبييض الأموال والقيام بأعمال مستترة من طرف مقاولات منظمة من أجل التهرب من تأدية الضرائب.

إن هذا الوضع يساهم في الهشاشة الاجتماعية وهضم حقوق المأجورين ووجود منافسة غير شريفة للقطاع المنظم؛ وهو ما يدفع بعض الشركات المنظمة إلى سلك الطريق نفسه من أجل ضمان الاستمرارية.

إن هذا النوع يجب محاربته بكل الطرق، عن طريق إدارة الجمارك ومفتشية الشغل، وغيرها من الطرق. أما النوع الأول فيجب إدماجه في القطاع المنظم.

هل يمكن أن تلعب الرقمنة دورا في الحد من الاقتصاد غير المنظم؟

أتفق معك مائة في المائة، فإذا اعتمدنا الأداء عبر الهاتف مثلا سنقلل من الاعتماد على النقود، وسيصبح الجميع يصرح بمداخيله.

وعموما، هناك وسائل يمكنها أن تساهم في التقليص من الاقتصاد غير المنظم، كما يجب إزالة العراقيل القانونية والمسطرية.

وفي هذا الصدد، طالبنا بالسماح للمقاول الذاتي بتشغيل شخصين أو أكثر، كما أن تعميم التغطية الاجتماعية من شأنه أن يدمج الباعة الجائلين في القطاع المنظم.

ما مآل التقارير التي يصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؟

نتوفر في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على فريق عمل يرصد تطبيق المقترحات التي نقدمها. كما أن تقديمنا لمقترحات وتوصيات لا يعني أنها ستطبق، لكي نكون واضحين.

نحن نحاول أن تكون لدينا شراكة مع شركائنا المؤسساتيين وهم: الحكومة والبرلمان بغرفتيه حتى يمكنهم استعمال التوصيات التي نقدمها، سواء في إطار مشاريع قوانين أو مقترحات قوانين، وكذا إدماجها في سياسات عمومية معينة.

لقد سبق لي أن قلت لرئيس الحكومة السابق، وأقول كذلك لرئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش إننا حينما نصادق على تقرير بالإجماع، فإن ذلك يمهد الطريق لتنزيل وتفعيل توصياته. وقد لاحظنا أن توصيات عديدة يتم إدماجها من طرف الحكومة، وهذا شيء مشجع.

كما أننا لا نكتفي فقط بإصدار التوصيات، بل نساهم في الترافع. كما أننا سننشئ منصة إلكترونية ستمكن المواطنين من التفاعل مع المجلس، عبر الإدلاء بآرائهم واهتماماتهم، وبالتالي المساهمة في توصيات التقارير التي يوجهها إلى الحكومة والبرلمان. كما ستمكن هذه المنصة المواطنين من اقتراح مواضيع على المجلس من أجل إعداد تقارير بشأنها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.