رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة
“ولا تذروها كالمعلقة”
سيدي رئيس الحكومة المحترم،
لعلكم على علم بأن ملف الدكاترة العاملين في الادارات العمومية لا يزال يراوح مكانه منذ عدة سنين، لدرجة أنه شكل ويشكل واحدة من أعطاب الإدارة المزمنة. القصة بدأت حينما تمّ الزج بمئات الدكاترة في دواليب الإدارة لسبب واحد ووحيد هو التخلص من جحافل هؤلاء الأطر الذين بدأت أعدادهم تتزايد باستمرار. كان من المفترض أن تتم الاستفادة منهم الجامعات ومراكز التكوين لكن الحكومات السابقة لم تكن تنتهج سياسة مدروسة تقوم على ملاءمة التكوين مع سوق الشغل. والنتيجة هي هذا التضخم في أعداد الدكاترة الذين بدأت معضلتهم تثير الوجع في رأس كل الحكومات السابقة، فتم اللجوء إلى تبني هذه البدعة المتمثلة في توظيفهم في الإدارات، ولعل الأمر كان أشبه بزواج الإكراه حيث ترغم المرأة على الاقتران برجل لا تحبه. ومن ثمة بدأت أولى فصول المأساة. نسبة كبيرة من هؤلاء الدكاترة وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل داخل إدارات تمعن في تهميشهم وجعلهم مجرد “موظفين أشباح”، والأفدح من ذلك أنهم يعيشون حالة اغتراب وإحباط نفسي تجعلهم يحسون بأنّ ما حصّلوه طيلة سنوات التكوين لم يعد ينفعهم في شيء. ولعل مآلهم يشبه إلى حد كبير مآل طلبة البعثات الطلابية المغربية في القرن التاسع عشر، إذ لم تتم الاستفادة من تكويناتهم العلمية بسبب أن المهام التي أسندت لهم كانت خارجة عن نطاق تخصصاتهم، مما يعني غياب البيئة الحاضنة لهم وبالتالي فوتت الدولة على نفسها إمكانية التعويل عليهم في بناء المغرب الحديث.
لقد تحججت الحكومات السابقة بأن سبب المعضلة يكمن في كثرة إعداد الدكاترة في مقابل قلة المؤسسات الجامعية، ناهيك عن عدم قدرة ميزانية الدولة على إحداث مناصب مالية لهم. الآن وبعد أن استُحدثت جامعات وكليات ومراكز تكوين جديدة، وأصبح القائمون على شؤون التعليم العالي يتحدثون عن الخصاص في أطر التدريس بهذه الجامعات والمعاهد ما الذي يمنع الحكومة من إلحاق هؤلاء الدكاترة بالمؤسسات السالفة الذكر، علما بأن ميزانية الدولة لن تكون مجبرة على إحداث مناصب مالية تخصهم.
معالي رئيس الحكومة المحترم،
لقد جعلتم من النهوض بالتعليم أولوية من أولويات البرنامج الانتخابي لحزبكم، وفي هذا الصدد تعهدتم بـ “تجويد التكوين الأساسي للأساتذة عبر تعزيز البنيات القائمة وإحداث كلية للتربية مخصصة لمهن التدريس”. كما نص التصريح الحكومي على ضرورة “خلق ثقافة مركبات جامعية حقيقية” و”تعزيز الكفاءات من خلال الاستثمار في التعليم العالي والبحث العلمي”.
أما اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي فخرجت بخلاصات مفادها أن “تحقيق الطمـوح لا يمكـن أن يتم إلا بواسطة رأسمال بشـري ذي قدرات ومهـارات عاليـة. فالرأسـمال البشـري يعتبـر محـرك ديناميـة التنميـة والاندمـاج وتفعيـل الارتقـاء الاجتماعـي. كمـا يعتبـر المحـدد الرئيسـي لقـدرة البـلاد علـى خلـق الثـروات وتسـريع تقاربـه مـع معاييـر الـدول المتقدمـة”.
ولهــذا، اعتبرت اللجنة السالفة الذكر “أن تعزيــز الرأســمال البشــري يتطلـب القيــام بانعطافـات ومراجعـات جوهريـة علـى مسـتوى السياسـات العموميـة فـي مجـالات الصحـة والتربيـة والتعليـم العالـي. وفـي هــذا الإطــار، تــم تحديــد ثلاثة خيــارات اِســتراتيجية تتعلــق بالمياديــن الرئيســية للتربيــة والتكويــن والبحــث والصحــة”.
السيد رئيس الحكومة المحترم،
إن دكاترة الإدارات العمومية يتوفرون على تكوين أكاديمي يؤهلهم للقيام بمهام التدريس في الجامعات ومراكز التكوين، وهم على أتم الاستعداد لدعم جهودكم في تجويد منظومة التعليم العالي، ولن تخسر حكومتكم إذا ما قررت حل معضلتهم ومنحهم فرصة إثبات ذواتهم وخدمة وطنهم من خلال تسخير جهودهم وتجاربهم للنهوض بالجامعة المغربية والمساهمة في الارتقاء بها نحو الأفضل. علما بأنهم سيظلون منفتحين على اقتراحاتكم المتصلة بهذا الشأن.
السيد رئيس الحكومة المحترم،
نأمل أن تجد صرختنا هاته صدى لدى معاليكم فتعملوا على إصلاح وضعيتنا فتكونوا بذلك قد ضربتم عصفورين بحجر واحد، فمن جهة ستصححون وضعا مختلا عمّر طويلا في الإدارة المغربية، ومن جهة أخرى ستسدون الخصاص المسجل في الكليات ومعاهد التكوين على مستوى الأطر من خلال تدعيمها بكفاءات عليا لا شك أنها ستسهم في القيام بمسؤولياتها التربوية والأكاديمية على أحسن وجه. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله) سورة هود: آية 88. والله من وراء القصد.
والسلام