جميع الأخبار في مكان واحد

إصلاح منظومة العدالة : ماذا تحقق ؟

يعد إصلاح منظومة العدالة المحور الأساسي الذي يستأثر اهتمامات الساهرين على هذا القطاع، ويشكل إحدى الأولويات في السياسة العامة لبلادنا، ويحظى بأهمية بالغة ، وهي الأهمية التي جسدتها خطب عديدة لجلالة الملك محمد السادس في مناسبات كثيرة، وتم تضمينها في جل البرامج الحكومية الأخيرة.

تلك الأهمية تستتبع بالضرورة تحولا جوهريا في دور القضاء حتى يرقى إلى الحماية القانونية الفعلية لحقوق الإنسان، وإحكام الرقابة على الالتزامات والمعاملات في جميع المجالات، وتصريف القضايا بالسرعة المطلوبة والفاعلية المنشودة لإشاعة العدل بين الناس.

وقد استمدت أبعاد هذا الإصلاح من مصدرين أساسيين، هما:

أولا: الإطار الدستوري للمملكة الذي كرس مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء، حيث جعل الفصـل 107 من الدستور المغربي لسنة 2011 السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، و الفصل 109 الذي منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ و أن لا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط، و الفصل 110 الذي أوجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها ، و الفصل 112 الذي حدد النظام الأساسي للقضاة بقانون تنظيمي، و ليس بقانون عادي  ولا بمرسوم ، تفضيلا لهم و تمييزا لهم عن غيرهم من موظفي الدولة والمؤسسات العمومية ، و الفصل 113 الذي ينص على إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية للسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم . علما بأن هذا المجلس يرأسه الملك ( الفصل 115 ).

وثانيا: الإرادة الملكية لإصلاح منظومة العدالة المضمنة في العديد من الخطب الملكية ، أبرزها: الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ، و الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ، و الخطاب الملكي ليوم 8 أكتوبر 2010 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، والخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 بمناسبة الإعلان عن الإصلاحات الدستورية و تقديم تقرير اللجنة الملكية الاستشارية حول الجهوية، و الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك يوم 08 ماي2012 بمناسبة تنصيبه لأعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة.

وبعد حوار موسع مع مختلف الفاعلين في قطاع العدالة، وضعت الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة ميثاقا يتضمن ستة أهداف استراتيجية كبرى. وتتمثل هذه الأهداف في توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها.

وتبعا لذلك، صدرت  أهم النصوص التشريعية التي تجسد دعم استقلال السلطة القضائية وفقا لمقتضيات الدستور المغربي صدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، وهو ما سيسهم في تأسيس لسلطة قضائية قوية ومستقلة وكفيلة بتحقيق الأمن القضائي وصون حقوق الأفراد والجماعات، كما هي تجربة مهمة وامتحان كبير لبلادنا على الصعيد الوطني و العالمي.

جدير بالذكر، أن هذا التحول التاريخي الكبير ببلادنا والذي أسميه “الانتقال القانوني الديموقراطي ” لابد له من أسس ومبادئ و مقومات وخطط ، متوسطة و بعيدة المدى ، حتى يتم تنزيله عملا وممارسة يشعر بها المواطن أولا قبل كل متدخل في مجال العدالة .

وبعد مرور أكثر من خمس سنوات عن الشروع في الإصلاح، نتساءل بخصوص تلك الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة .

هل تم تكريس النجاعة القضائية المتجلية في نهج الحكامة الجيدة، وجودة الأحكام، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتبسيط المساطر والإجراءات القضائية ؟

هل تم تحديث المنظومة القانونية ، كما هو الشأن بإصدار مدونة جديدة للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية لملاءمتهما مع مقتضيات دستور سنة 2011 والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي صادق عليها المغرب أو التي رفع بشأنها تحفظاته في السنوات الأخيرة ، ونفس الأمر يتعلق بالمسطرة المدنية و قوانين أخرى ؟

هل تم تنزيل مشروع التحول الرقمي بشكل مهني وفعال استطاع أن يحقق هدف تحديث وتأهيل الإدارة القضائية وتبسيط الإجراءات الإدارية والقانونية، لتقديم خدمات ذات جودة عالية وبأقل تكلفة للمواطن، و الانخراط في مشروع الحكومة الرقمية للسير نحو المحكمة الرقمية  وتجويد الخدمات القضائية ؟

هل تم تقريب مرفق القضاء من المواطن، والتسريع في إنجاز الملفات المعروضة على المحاكم وإصدار الأحكام داخل آجال معقولة مع الحرص على جودتها وتنفيذها؟

هل تم توفير الشروط الضرورية للقضاة للعمل في ظروف وأجواء لائقة لتعزيز استقلاليتهم و تحسين وضعيتهم المادية و المعنوية، ونفس الأمر بالنسبة لمساعديهم من كتاب الضبط وغيرهم ؟

يمكن الاعتراف بأن هناك إكراهات تواجه عملية الإصلاح وظروف محيطة ومؤثرة في منظومة العدالة، سواء القانونية أو الإجرائية أو البشرية أو اللوجستيكية، لكن لابد من وقفة تأمل وتقييم للحصيلة لمعرفة ما تم تحقيقه في مجال إصلاح منظومة العدالة منذ سنة 2016، أخذا بعين الاعتبار الأهداف الاستراتيجية والمؤشرات التي تم وضعها مسبقا للوقوف على ما تحقق من إنجازات بكل موضوعية ونزاهة وشجاعة، حتى نعرف أن يسير الإصلاح .

وبما أن الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والوزارة المكلفة بالعدل، المحدثة بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لا سيما المادة 54 منه، قد عهد إليها دراسة برامج نجاعة أداء المحاكم، وتحديد أهداف كل منها، ومؤشرات قياسه، وكذا دراسة الحاجيات الضرورية لعمل المحاكم، والوقوف على مؤشرات الأداء وتحليلها، وتحديد مكامن الضعف والخلل، واقتراح الحلول الناجعة لها، فإنها تبقى الجهة الوحيدة المؤهلة لتقييم حصيلة إصلاح منظومة العدالة و اطلاع الرأي العام بذلك، وهي مهمة أساسية من أجلها أحدثت .

يجب أن نخلق الثقة بين المواطن والإدارة القضائية ودعم القضاء وبنيته على أكمل وجه ، لأن القضاء في خدمة المواطن لتحقيق العدالة وضمان الحقوق وحماية الحريات ، وأيضا تحقيق استقلال وأمن قضائي شامل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.