شنقريحة .. عراب الجزائر الجديدة
ربما كانت مجلة الجيش الجزائري، في عددها الأخير، محقة عندما تكهنت بارتماء الشيطان في حمم الجحيم! وكأن العقل الباطن داخل المؤسسة العسكرية للجارة الشرقية كان يستشرف الغد المنظور والمستقبل القريب للسعيد شنقريحة، الذي فتح أمامه قرميط بونويرة أبواب الجحيم.
وقرميط بونويرة، هو الكاتب الخاص ومستودع أسرار الرئيس السابق لأركان الجيش الجزائري نائب وزير الدفاع الوطني أحمد القايد صالح، وهو المطلوب رقم 2 في لائحة الجزائر الجديدة بعد الجنرال غالي بلقصير، والذي كان قد تدخل عبد المجيد تبون شخصيا لدى نظيره التركي الطيب أردوغان لاسترداده من تركيا، بعدما كان قد لاذ بأحفاد العثمانيين مخافة التنكيل به من قبل سعيد شنقريحة والطغمة الجزائرية الجديدة.
فماذا قال قرميط بونويرة عن الفريق سعيد شنقريحة انطلاقا من سجنه في البليدة؟ أو بالأحرى ماذا قالت علبة أسرار القايد صالح عن خليفته شنقريحة؟ وبتعبير آخر أكثر دقة، كيف يرى فصيل كبير داخل الجيش الجزائري “قائده” الجديد سعيد شنقريحة، خصوصا إذا علمنا أن قرميط بونويرة كان يتلو ورقة مكتوبة بعناية، ومسربة بشكل مخدوم، تختزل رسالة مفادها أن العسكر الجزائري ليس على قلب رجل واحد في الفترة الراهنة؟
رجل مرتعش وجبان
قدم قرميط بونويرة بروفايل مغايرا للصورة التي يحاول سعيد شنقريحة الظهور بها في الإعلام الجزائري المقرب من العسكر؛ فقد وصفه بأنه شخص جبان مرتعش ولا يقوى على حمل معاول المواجهة، تماما مثلما حاولت مجلة الجيش تقديم خصوم العسكر في افتتاحيتها الأخيرة.
فالرجل ظل يتمسح بتلابيب مساعد أول في الجيش الجزائري، وهو قرميط بونويرة، مخافة أن يزج به أحمد قايد صالح في سجن الحراش أو البليدة بسبب جرائم الفساد التي كانت تغمره من غرة رأسه حتى أخمص قدميه. بل إن الجنرال الذي يحمل نياشين وهمية برتبة فريق، ظل يتربص ويتلصص لقاءا سريا مع مساعد أول في الجيش أملا في التوسط له لئلا ينتهي به المطاف في السجن. فهل من يهاب الحبس قادر على خوض الحروب التقليدية وغير التقليدية أم إن معارك الجيش الجزائري تبقى محصورة في افتتاحيات مجلة العسكر وفي بيانات عبد المجيد تبون فقط؟
بارون مخدرات ومهرب أسلحة ومحتال
من يطالع تسجيلات قرميط بونويرة حول سعيد شنقريحة، يتمثل هذا الأخير في صورة بارون المخدرات الذي يستغل وظيفته العسكرية لتهريب أطنان من المخدرات عبر الحدود الوطنية. فالرجل عندما كان يرأس الناحية العسكرية الغربية للجزائر إنما كان يرتدي “جبة بارون المخدرات” الذي يتولى تسهيل عمل كارتيلات التهريب التي تنشط على الحدود مع المغرب.
وسعيد شنقريحة عندما ترقى لاحقا وصار رئيسا للقوات البرية وبعدها رئيسا لأركان الجيش الجزائري، صار أقرب إلى “زعيم مافيا” مثلما صوره بالضبط قرميط بونويرة في تسريباته الأخيرة. وهنا يمكن فهم أسباب استنكاف السلطات الجزائرية على التعاون مع المغرب في مجال مكافحة المخدرات، كما يمكن استيعاب لماذا كانت المصالح الأمنية الجزائرية ترفض تزويد المغرب ببيانات المهربين وطرق الإخفاء والتهريب؛ فذلك كان مخافة أن تقود التحريات المشتركة إلى تشخيص هوية البارون الجزائري الأول الذي هو سعيد شنقريحة.
واللافت أن قرميط بونويرة، ومعه فريق العسكر الذي يصطف وراءه ويقف خلف تسريباته، لا يرى في سعيد شنقريحة مجرد بارون مخدرات فقط، وإنما مهرب أسلحة وشخصا محتالا استطاع أن يتلاعب بقانون المصالحة والوئام المدني الذي وضعه الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
فحسب شهادة الكاتب الخاص للرئيس السابق لأركان الجيش الجزائري، فسعيد شنقريحة كان يقتني أسلحة كلاشينكوف مهربة من ليبيا بأثمنة زهيدة، ويدفنها في تخوم الصحراء ليقدمها لاحقا على أنها محجوزات مضبوطة بحوزة إرهابيين! تماما مثلما هو سيناريو أبو الدحداح الذي تم إخراجه من جحور الجبال وتقديمه على أنه إرهابي مرتبط فيسبوكيا بالمعارضين الجزائريين بالخارج. لكن الخطير في سجل شنقريحة أنه كان يقدم بعض أتباعه على أنهم إرهابيين، ليرفع من مردوديته الوهمية في مجال مكافحة الإرهاب، على أن يستفيدوا لاحقا من العفو والمصالحة بموجب قانون الوئام المدني.
فالذي أسدل على سعيد شنقريحة وجماعته المارقة وصف “العصابة” لم يكن مخطئا أو مسرفا في الاستهجان ولا موغلا في الازدراء. فما قدمه قرميط بونويرة في شهادته المسربة من سجن البليدة العسكري إنما يقدم حكام الجيش الجزائري في صورة “مافيا وكارتيل إجرامي” يتجاوز الحدود الوطنية، ويبرز سعيد شنقريحة على حقيقته كـ”عراب المافيا” أو “الأخ الأكبر” في كارتيلات أمريكا اللاتينية.