“منظور المشكال” .. الباحث المغربي طحطح ينتصر لـ”التاريخ المهمّش”
بعنوان “منظور المشكال-قراءات تاريخية وفكرية”، صدر كتاب جديد للباحث المغربي خالد طحطح، ينفتح على “شغف القراء بالتاريخ وقضاياه”، وينتصر للتاريخ المركّب الذي لا يقصي التفاصيل وما يعتبر هامشا.
ويتساءل الباحث في التاريخ، وفق ما ينقله ظهر غلاف مؤلّفه الجديد، عما دفع المؤرخين وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيين إلى أن يغفلوا “ردحا طويلا من الزمن عن الكتابة والقول الأدبيين، خاصة الأشعار، أثناء دراستهم للظواهر الإنسانية والمجتمعية”.
كما يتساءل كاتب “التاريخ من أسفل”: “لماذا كل ذلك الإقصاء الذي وصل، في بعض الأحيان، إلى حد الاحتقار لنصوص تحتوي أحاسيس ومشاعر إنسانية ثرّة يستحيل العثور عليها في غيرها، وهي وحدها القادرة على إضاءة جوانب عميقة ومهمة من حياة الإنسان فردا وجماعة؟ ألا يجب إعطاء القيمة للأشياء التي تبدو في الظاهر هامشية، حيث التفاصيل الصغيرة جدا، والغائبة، دائما ما تكون هي الأهم؟”.
ويتابع الباحث التعبير عن استشكالاته: “لماذا طال زمن الاستهتار بالهامش والتفاصيل والمسكوت عنه؟ هل لأن الكتابة سيطر عليها، لقرون طويلة، العنصر الذكوري، الذي يهيمن على ذهنه كل ما هو عظيم وضخم، ولا يلتفت عادة للتفاصيل؟”، وهو ما يقدر أنه لم يظهر بشكل بارز “إلا بعد أن أصبح لـ”الأنثى” صوت في الوصف والتفسير على حد سواء، ولو من خلف”.
ويستوحي كاتب “تاريخ الهامش والمهمّش” عنوان كتابه الجديد “منظور المشكال” من رواية الكاتبة الإنجليزية بينيلوبي لايفلي “مون تايجر”، وفق مقدمته، حيث “يُحيل العنوان الرئيس للرِّواية على الاسم التجاري لتلك اللفافات الطاردة للبعوض، وهي التي استعانت بِها بطلة الرِّواية خلال الليالي التي قضتها في فيافي مصر حيث تدور معظم الأحداث.”
ويتابع طحطح مبرزا دوافع الاستلهام: “في هذه الرواية الحائزة على جائزة مان بوكر سنة 1987م، لا يُقَدَّمُ التاريخ من منظور خطي كرونولوجي، بل من خلال ما أطلقت عليه كلوديا-بطلة الرواية-منظور المشكال، وهو أنبوبٌ خاص به مرايا وقُصاصات مُلوَّنة تُشكل نقوشا وزخارف مُختلفة تهتز كلما حرَّكها المرء، للدَّلالة على اللاستقرار واللاثبات.”
ويضيف: “حاولت الرِّواية عرض الأحداث التاريخية قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية متشابكة بشكل كلي مع أحداث البطلة وسيرتها الخاصة، من خلال توظيف تقنيات سردية متعددة، منها الانتقال السلس بين الماضي والحاضر. وهدفها من كل ذلك تِبيان عبثية الحرب وتسفيه رِوايات المنتصرين.”
في “مون تايجر”، حسب القراءة نفسها، “تتقاطع سيرة حياة البطلة كلورديا هامبتون المؤرخة مع حياة لايفلي صاحبة الرواية التي حصلت في بداية مسارها الجامعي على إجازة في تخصص التاريخ الحديث، إذ تُدشِّنُ ليفي روايتها برغبة البطلة سرد تاريخ العالم بشكل مُتداخل مع أحداث ووقائع حياتها الخاصة. تفعل ذلك وهي تعيش لحظاتها الأخيرة في المستشفى، حيث تتلقى حصصاً علاجية من مرض السرطان الذي ألمَّ بها.”
وتتقاطع المقالات التي يَضُمُّها هذا الكتاب الجديد مع “أفق بطلة الرِّواية التي سعت جاهدة لتقديم الأصوات المُتعددة للتاريخ المركب، حيث عملت ما بوسعها لإسماع القارئ كل التعبيرات، وإظهار المسكوت عنه، مُعيدة بذلك الاعتبار للهامشي وللفرد”، ولو أنها “ظلت، في أحيان كثيرة، أسيرة للصُّورة النَّمطية التي رسمها الكولونياليون عن الشرق، وهي الصُّورة التي لم تستطع التَّخلص من ظلالها القاتمة.”
ويذكر الكتاب في مقدمته أن أولى فصول الرواية المستلهمة فيها دفاع البطلة عن “اختيارها الخاص بدمج حكايتها الخاصة بتاريخ العالم”، حيث تتساءل عن الطريقة التي ستتبعها في ذلك بقولها: “هل أدعه تاريخا خطيا أم لا؟ لطالما اعتقدتْ أن منظور المشكال قد يكون بدعة مثيرة للاهتمام، رُجَّ أنبوب المشكال، وأنظر ماذا سيحدث، أمَّا التسلسل الزمني فيزعجني”. وتُتابع في فقرة أخرى: “هنا يهتز المشكال، العصر الحجري القديم، كما أراه تَفْصل تصميمه في المشكال هزة واحدة عن تصميم القرن التاسع عشر، الذي لاحظ فيه العلماء لأول مرة العصر الحجري القديم بفاعلية”.
وعلى خطى “منظور المشكال” لا تتقيد مقالات هذا المؤلّف “بأي فترة زمنية، ولا بفصول رتيبة، ولا بتقسيمات محددة، ولا بسرد كرونولوجي سطحي”، بل “تقدم أصواتا وحكايات متعددة، وقضايا قد تبدو متباعدة، لكنها منتظمة ضمن سياقات ورؤى تستهدف الباحث الأكاديمي والمتابع العادي في الآن نفسه، غرضها الأساسي الانفتاح على شغف القُرَّاء المتنامي بحقل التاريخ، لأجل تلبية جزء من حاجياتهم، والاستجابة لأفق تطلعاتهم، ولأجل ذلك تم تكييف المواضيع في حُلّة غير معتادة، لأجل الخروج عن المألوف من خلال تناول مواضيع فريدة وطريفة.”