الساحة الفنية المغربية تفقد قيدوم السينمائيين المخرج العربي بناني
تجربة رائدة طبعت بدايات السينما بالمغرب تودعها البلاد برحيل المخرج العَرْبي بناني، الذي بدأ عمله في خمسينات القرن الماضي وبرز في الستينات والسبعينات.
عن عمر ناهز 92 سنة، رحل أحد أوائل المغاربة الذين أخرجوا أحدَ فيلمين طويلين كانا مستهل هذه التجربة السينمائية بالبلاد، وقد عرف فيلمه القصير “ليال أندلسية” (Des nuits Andalouses) احتفاء واسعا، من علاماته الجوائز المتعددة التي ظفر بها.
يقول أحمد السجلماسي، باحث في تاريخ السينما المغربية، إن “العربي بناني قيدوم المخرجين السينمائيين المغاربة، عمّر طويلا، وهو من المخرجين الأوائل المتخرجين في معهد الدراسات العليا السينمائية بباريس سنة 1954، بعدما كان أول من تخرج في هذا المعهد أحمد بلهاشمي الذي كان أول مدير مغربي للمركز السينمائي، بعد الفرنسي هنري منجو”.
وأضاف السجلماسي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “اشتغل العربي بناني في عدد من الأعمال الأجنبية (…) واشتغل بعد ذلك في المركز السينمائي المغربي لـ 10 سنوات، وخاصة في الستينات، العصر الذهبي لإنتاج الأفلام القصيرة، الروائية والوثائقية، وكانت غالبيتها أفلاما مؤسساتية تحت الطلب، من بينها تحف مثل (6 و12)”.
وواصل: “لقد أخرج الراحل فيلما مهما جدا هو (القرويين)؛ وهو فيلم وثائقي جميل يقربنا من هذه الجامعة، وقبلها أخرج في سنة 1960 فيلمه القصير الذي من ترجمات عنوانه: (من أجل لقمة عيش)، الجانب الإيجابي فيه أنه تحسيسي في قالب كوميدي حول الثروة السمكية للمغرب. لعب بطولته الطيب الصديقي وفاطمة الركراكي، وشارك فيه حمادي عمور”.
ومن بين أكثر من 10 أفلام وثائقية أخرجها العربي بناني في الستينات، اعتبر السجلماسي أن أشهرها “ليالي أندلسية” الذي أخرجه في سنة 1963، وهو أول فيلم مغربي صور بـ”السينما سكوب” بالألوان، وحصل على أزيد من عشرين جائزة. وهو فيلم يحتفي بالموسيقى الأندلسية وأجواقها الشهيرة، ويحضر فيه العربي التمسماني، وعبد الصادق شقارة… ورغم طابعه الوثائقي، كان في هذا الفيلم القصير بعد روائي، يحكي قصة غرام وصراع للفوز بامرأة، من أجل التعريف بالموسيقى الأندلسية والاحتفاء بها في قالب مبهر”.
وبعد استقلال المخرج الراحل عن المركز السينمائي المغربي، ذكر الباحث أنه أسس شركة أولى ثم ثانية للإنتاج، واشتغل في الإشهارات التي تدر دخلا.
وذكر السجلماسي أن لوليد فاس بناني فيلمين طويلين، وقال: “هو من الأوائل الذين أخرجوا فيلما طويلا مغربيا، سنة 1968، يترجم إلى (عندما تنضج الثمار) أو (عندما يثمر النخيل)، مع عبد العزيز الرمضاني، وهو مع فيلم (الحياة كفاح) لمحمد التازي وأحمد المسناوي، شكلا البداية الرسمية للسينما بالمغرب، علما أن بداياتها متعددة، وهي بداية رسمية، بمعنى بدء المركز السينمائي المغربي في إنتاج أفلام مغربية”.
ومن هذه المرحلة إلى سنة 1995، استحضر المصرح إخراج بناني فيلمه الطويل الروائي “المقاوم المجهول”، الذي كان من بطولة حميد باسكيط، قبل أن يعود بعد ذلك إلى “التفرغ لإنتاجات أجنبية، وجانب الإشهار، وإنجاز الأفلام المؤسساتية”.
وسجل الباحث في تاريخ السينما المغربية أن العربي بناني “معلمة مع كامل الأسف لم تسلط عليها الأضواء بما فيه الكفاية”، وعدد لحظات لتكريم الفقيد بمهرجانات سينمائية متم التسعينات وفي بدايات الألفية الثالثة، وصولا إلى أواسط عقدها الثاني، بمهرجان أزرو السينمائي، ومهرجان سبو للفيلم القصير، والمهرجان الوطني للفيلم.
ووقف السجلماسي على الحاجة إلى عودة الباحثين إلى أعمال العربي بناني ودراستها، مع “استحضار أهميتها باعتبار السياق التاريخي”.
ثم تابع مرافعا: “يجب أن يفكر المركز السينمائي المغربي في جعل تراثنا السينمائي هذا متاحا للمشاهدة، بدل أن تصيبه الرطوبة في الأرشيفات، عن طريق منصة رقمية تمكن الباحثين والمهتمين والنقاد من رؤية أفلامنا المغربية القديمة، وتكون متوفرة للمشاهدة بمقابل رمزي أو الدخول المفتوح، علما أن عددا كبيرا من أفلام المركز بدأت رقمنتها، وخاصة القديمة منها”.