الخلفيات التاريخية المؤسسة للسياسة الخارجية الألمانية تجاه المغرب (2 ) ـــ محاولة للفهم ـــ
بعد إبراز الخلفيات التاريخية للعلاقات المغربية الألمانية في مقالنا السابق، الموسوم بعنوان ” الخلفيات التاريخية للسياسة الخارجية الالمانية تجاه المغرب (1)[i]، سننتقل في هده المقالة الى محاولة فهم التطورات المتسارعة في العلاقات المغربية الالمانية، على خلفية ما شخصناه من خلال المقالة السابقة الذكر.
أثار التغيّر المفاجيء للحكومة الألمانية الجديدة بزعامة “أولاف شولتز” تجاه المغرب من خلال وضع مسألة تليين العلاقات ضمن أولوياتها، الكثير من التساؤولات؛ حيث عبّرت وزارة الخارجية الألمانية، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، بكون خطة الحكم الذاتي تشكل “مساهمة مهمة” من المغرب لحل الخلاف حول الصحراء، وأضافت أن “ألمانيا تدعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول على أساس القرار 2602″، مشيرة إلى أن موقفها “بقي من دون تغيير لعقود من الزمن”.[ii] بل ستتغير الأمور بشكل متسارع من خلال رسالة تهنئة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الى العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة حلول السنة الجديدة (2022)، نظرا لدلاتها المتعددة؛ نذكر منها:
– انتقال ألمانيا من إبداء النوايا الحسنة تجاه المغرب إلى الأجرأة الفعلية في خطوة ديبلوماسية راقية؛
– تنويه الرسالة بدور المغرب في مكافحة التغير المناخي إشارة إلى عدم معاكسة المغرب في طموحه ليكون ضمن دائرة الفاعلين في الساحة الإقليمية؛
– دعوة الملك المغربي للقيام بزيارة رسمية إلى ألمانيا تدل على الرغبة في الحل الشامل لكل الملفات العالقة بين الدولتين.
التحول المفاجيء في التدبير الألماني للأزمة مع المغرب؛ من البرود الديبلوماسي والاكتفاء بتصريحات تبدي الرغبة في تحسين العلاقات، إلى إبداء حماسة كبيرة في التعجيل بإعادة الدفء للعلاقات الثنائية، بل إبداء موقف مشجع من قضية الصحراء، لا يمكن فهمه، في اعتقادنا، إلا من خلال سياق محكوم بالعناصر الأتية:
– اقتناع ألمانيا بأن الموقف الأمريكي المتمثل في الاعتراف بمغربية الصحراء، موقف غير قابل للتراجع، وأنه موقف دولة، وليس موقف الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” كما تحاول الدعاية الاعلامية الجزائرية تأكيده؛ هذا الثبات في الموقف الأمريكي هو الذي يمكننا فهمه من خلال نشر خريطة المغرب كاملة من طرف وزارة الخارجية الأمريكية أثناء تقاريرها حول دعم الولايات المتحدة الأمريكية لدول العالم خلال جائحة كورونا، وفي البيان الذي أصدره البيت الأبيض حول الصحراء واعتبار الجزائر طرفا رئيسيا في النزاع؛
– صدور قرار مجلس الأمن 2602 في اكتوبر 2021 حيث أكد “على الحاجة إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين لمسألة الصحراء”[iii]؛
– حصول المغرب على دعم مطلق من طرف كل دول المجلس الخليجي والأردن، في دعم وحدته الترابية.
انطلاقا من هذا التحليل المقتضب، يمكننا أن نتصور بأن جبل الجليد بين البلدين قد تمت إذابته، لكن بالعودة إلى بلاغات وزارة الخارجية المغربية التي تجاوبت من خلالها مع المبادرات الألمانية، تستوقفنا عبارة ” تأمل المملكة المغربية أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال” وهي عبارة وردت في بيان وزارة الخارجية المغربية على تويتر بتاريخ 22/12/2021 بعد عبارات الترحيب والتثمين للمبادرة الألمانية. فماذا تقصد وزارة الخارجية المغربية بهذا الكلام؟ وهل يمكننا فهم العبارة من زاوية وجود ملفات ثقيلة أكبر من أن تحل بهكدا تصريحات ودعوات رسمية؟ بل هل يمكن أن نفهم بأن هناك شكوك لدى الديبلوماسية المغربية تجاه الديبلوماسية الألمانية تحتاج إلى إجراءات عملية لدحضها؟، وغيرها من الأسئلة التي من شأنها أن توجه بوصلة المهتمين نحو المسار الذي ستأخده العلاقات بين الدولتين في المستقبل القريب والمتوسط.
لا يمكن الإختلاف حول حاجة المغرب إلى إعادة العلاقات الديبلوماسية مع دولة كبيرة ومؤثرة كألمانيا، كما لا يمكن التغاضي على أهمية المغرب بالنسبة لألمانيا، لكننا نعتقد أن تريت المغرب وعدم استعجاله عودة العلاقات بنفس السرعة التي تريدها ألمانيا فيه قدر كبير من الحكمة السياسية، شرط أن يكون هذا التريت مبني على تصور وأهداف واضحين؛ فالديبلوماسية المغربية تعيش حاليا نوعا من “الإنتعاشة” بفضل قدرتها على إقناع مجموعة من الأقطار على فتح تمثيليات ديبلوماسية بالأقاليم الجنوبية، كما أنها استطاعت أن تدفع بالأدارة الأمريكية “البايدينية” إلى الإستمرار في الإعتراف بمغربية الصحراء رغم بعض المناكفات، بل أنها تتمتع بدعم لا مشروط من طرف دول الخليج التي لها تاثير كبير على قرارات جامعة الدول العربية، كل ذلك يضع الديبلوماسية المغربية أمام فرصة ذهبية تمكنها من رفع سقف طموحها ويدفعها إلى الانتقال من العشوائية إلى الاشتغال وفق تصورات وأهداف واضحة.
إن التغيرات الجيوستراتجية التي أعقبت الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والتقاطها من طرف القيادة السياسية الجديدة بألمانيا، إضافة إلى تجاوب وزارة الخارجية المغربية مع بيان وزارة الخارجية الألمانية، من شأن كل ذلك، أن يعيد سكة العلاقات المغربية الألمانية إلى مسارها الصحيح، ومن شأنه أيضا أن يقنع صانعي القرار السياسي الألماني بأن القرن الواحد والعشرين قد وصلت معه العولمة مستويات غير منتظرة، يمكن بفضلها أن يتفوق لاعب صغير على لاعب كبير.
[i] https://al3omk.com/715080.html
[ii] SITE ALHURRA, https://www.alhurra.com/morocco/2021/12/14/%D8%A7 .
[iii] https://news.un.org/ar/story/2021/10/1086272