حسن بنعقية.. رحيل عَلَم “النضال العلمي” من أجل “القضية الأمازيغية”
ودع المشهد البحثي أكاديميّا حمل هم إبراز مظاهر الثقافة الأمازيغية، وخصائص لغتها، والأدب الريفي خاصة والأمازيغي بشكل أعم، وأعلام بلدان شمال إفريقيا، كانَه الباحث حسن بنعقية.
ونعى أساتذة شعبة الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في وجدة أستاذ الدراسات الفرنسية والأمازيغية بالكلية متعددة التخصصات بالناظور.
ومن أبرز أعمال الأكاديمي الراحل كتاب “تاريخ الفكر الشمال إفريقي” الصادر سنة 2016 بالفرنسية، عن دار النشر لارماتان، في ما يقرب 700 صفحة.
وكان آخر نشاط جامعي شارك فيه الفقيد، وفق الباحث محمد بودهان، افتتاح شعبة جديدة خاصة بالأمازيغية، بعدما “كافح باستماتة لإحداث مسلك للأمازيغية بالكلية متعددة التخصصات بالناظور”، وهو ما تحقق في الماستر الخاص بالأدب واللغة الأمازيغية، الذي انطلق في الموسم الجامعي الراهن 2021 – 2022.
ونعى بودهان، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، الراحل حسن بنعقية، بقوله إنه “مثقف، ومفكر، ومبدع، وكاتب عصامي، درس بالمغرب وحصل على باكالوريا إنجليزية، كانت مهمة بالنسبة له لأن أغلب قراءاته كانت بهذه اللغة، وحصل على دكتوراه في الأدب الفرنسي، وكان يجيد الإسبانية والكاتلانية، وألف معجما أمازيغيا إسبانيا كاتالانيا، مع آخرين من المستمزغين الإسبان”.
وتابع الباحث في الثقافة الأمازيغية: “لما بدأ يدرّس في جامعة وجدة، بداية التسعينيات، كان مناضلا في إطار الحركة الأمازيغية، ويناضل في الوقت نفسه نضالا جديدا من أجلها؛ نضالا علميا، بدراسات وأبحاث حول الأمازيغية، أدبا وتاريخا وأنثروبولوجيا ونحوا ومعجما”.
وواصل بودهان: “كان هذا أمرا جديدا، فقد كانت لنا دائما في الحركة الوطنية مطالب ثقافية، بعضها ذو طابع سياسي، ولم نكن نهتم بالجانب العلمي، وحسن بنعقية بالجامعة المغربية، وخصوصا بجهة الشرق، كان من أوائل من اهتموا كثيرا بهذا الجانب العلمي، وبدأ يفصل ما هو إيديولوجي عما هو علمي في القضية الأمازيغية، ولو أن بها، حقيقة، جانبا سياسيا وإيديولوجيا”.
وأضاف المصرح ذاته: “لما افتتحت كلية سلوان متعددة التخصصات ظل الراحل يطالب بإحداث مسلك للغة الأمازيغية بها، واستجابت وزارة التعليم العالي له، وافتتح هذا المسلك، ثم ظل يناضل لتحويله إلى شعبة مستقلة، وهو ما تحقق ابتداء من هذا الدخول الجامعي؛ وكان آخر نشاط أكاديمي مهني له هو افتتاحه هذا الماستر للغة والأدب الأمازيغيين، في 19 نونبر 2021، قبل أن يسقط طريح الفراش”.
واسترسل بودهان متحدثا عن عطاء الأكاديمي الراحل: “كان آلة للقراءة والكتابة، يقرأ كثيرا ويكتب كثيرا، وألّف أكثر من 25 كتابا، من بينها موسوعة ضخمة بالفرنسية حول تاريخ الفكر الشمال إفريقي (…) تعرّض فيها للكُتّاب الشمال إفريقيين، الذين نسميهم اليوم بالأمازيغيين، من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، التي هي أسماء بلدان لم تكن معروفة آنذاك. تحدث عن هؤلاء الأمازيغ الذين كتبوا بالإغريقية واللاتينية، ابتداء من القرن الرابع قبل الميلاد، حتى القرن العاشر الميلادي، أي تقريبا خمسة عشر قرنا، وعدّد الكُتّاب خلال المرحلة الوثنية، ثم المرحلة المسيحية، ومن بينهم كبار المسيحيين، مثل القديس أوغسطين”.
واستحضر المصرح جانب النشاط الجمعوي للفاعل الراحل، مع جمعيات متعددة، وتنشيطَهُما ندوات بعدد من مدن البلاد، شمالا ووسطا وجنوبا.
وتوقف الفاعل الأمازيغي عند تجربة النشاط الإعلامي لإبراز القضية الأمازيغية عبر جريدة “تاويزا”، قائلا: “سنة 1997 أخبرته بأنني بصدد إعداد شهرية تعنى بالثقافة الأمازيغية، ولم يتردد، إذ أخبرني بانتظار موضوع منه كل شهر، وكذلك كان حتى توقفت سنة 2013؛ ولم تكن مواضيعه صحافية مناسباتية، بل دراسات مطولة، وكان يتطرق للمواضيع من جميع جوانبها، ويأتي دائما بالجديد (…) ويقدم في ما يكتب الفكر المضاد”.
هذا “الفكر المضاد”، يوضح بودهان؛ طال “الأفكار الرائجة، التي أصبحت تعتبر من البديهيات، مثل التعريب، والقومية، والمغرب العربي، واللهجات، والظهير البربري… تطرق إليها وأبرز كونها بديهيات كاذبة؛ فاشتغل على الظهير البربري بوصفه أكذوبة، لا يوجد نصها لا شكلا ولا مضمونا، وما كان هو المحاكم العرفية، أما الأعراف فلم تأتِ بها فرنسا، بل كانت موجودة عند المغاربة منذ أقدم القرون، وتعايشت مع الإسلام والمسلمين ومع القوانين الأخرى، وكانت تطبق حتى في المناطق التي تعتبر عُروبية”.
هنا، توقف الباحث بودهان عند “الاستلاب الذي تنشره المدرسة المغربية، التي تعلمنا أننا عرب”، وزاد: “أبرز سي حسن أن التعريب (المستشكل) لا علاقة له باللغة وإعطاء القيمة للغة العربية، بل هو تحويل الإنسان المغربي إلى إنسان عربي. والمسؤولون الكبار عن التعريب في المغرب كانوا يتحدثون عن تعريب المحيط والحياة، أي تعريب الإنسان؛ أما اللغة العربية فلا أحد يعارض تعلّمها وتدريسها، ولكن ليس بالضرورة تعلمها لنصير عربا”.
وأردف المتحدث ذاته: “حسن بنعقية لو كان حاضرا أمامي لما قبل مني ذكر مناقبه وفضائله، لأنه كان كثير التواضع ولا يحب الأضواء، لكنه كان ضوءا ساطعا ونجما منيرا أعطى الكثير، كتب في تدريس الأمازيغية ونحوها ومعجمها، وكان عضوا في المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكوّن جيلا من الباحثين في مجال الأمازيغية وتراثها؛ وفي كلية سلوان يوجد فريق بيداغوجي متخرج على يديه، سيواصل العمل في الشعبة”.
ثم أجمل الباحث محمد بودهان حديثه عن مسار الأكاديمي حسن بنعقية، قائلا: “هو مفخرة للمغرب والمغاربة والأمازيغية والريف، وبلدته بني أنصار”.