جميع الأخبار في مكان واحد

التواصل.. والنقاش العمومي

قضايا هامة مصيرية مطروحة على بلادنا، مع الأسف لا تشكل جزءا من نقاشنا العمومي، وفي أحيان كثيرة ليست جزءا من موضوعاته، في وقت تحضى فيه قضايا هامشية، وفي كثير من الحالات شخصية، اهتمامات الجميع، صحافة مكتوبة، جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، المؤثرين، التدوينات وفيديوهات اليوتوب…لدرجة يخيل فيه للمرء أن لا قضايا مصيرية على أجندة الدولة والمجتمع؛

فاسم الإثارة، والبوز والعائد المادي ربما، والبحث عن أوسع جمهور تصبح قضايا الإفراغ من المنازل وإن باسم القضاء وطبقا للقانون، والجنس المقترن بابتزاز النقط رغم دناءة الفعل وشناعة السلوك…حديثنا اليومي، ومدار تفكيرنا ونقاشاتنا…فهل فُرغت قائمة انشغالاتنا حتى تعبئ بمثل هذه القضايا؟ أبدا، في البرلمان تناقش ملفات على درجة كبيرة من الأهمية، لكن الإعلام لا يريد ان يرى في هذه المؤسسة سوى صورة نمطية، الحكومة توالي مبادراتها الإنقاذية بعد عشر سنوات كساد كلي، ولا أحد يريد تسليط الضوء عليها، مؤسساتنا ترصد يوميا الاختلالات العميقة في قيم وتدريس أبنائنا، وتحدث بلغة الموضوعية عن الخيارات المفتوحة التي لا يجب أن نخطئها مستقبلا في قطاعات الصحة، والتعليم والقضاء والحماية الاجتماعية ونشر قيم الحقوق والحريات…

من يتحمل مسؤولية هذا التباعد بين همومنا وما يحتل ساحتنا العمومية، من أحداث متنوعة؟ هل هي الصحافة التي تستقل باسم خطها التحريري لتحديد ما يكتب وما لا يكتب؟ هل هو الجمهور العريض الذي ينفر من القضايا الكبرى لفائدة الاهتمام بالمثير والغريب؟ هل هي مسؤولية الدولة ومؤسساتها التي فشلت في خلق “تواصل مؤسساتي” مواكب لعملها ولأدائها؟

لا نمتلك معطيات تسعفنا لتقديم إجابات قطعية، لكن الظاهر أن المسؤوليات مشتركة، ويصبح من اللازم تصحيح هذا الوضع، الذي يخلق فجوة بين المنجز وبين التسويق له، بين الأولويات التي يجب أن تحظى بتعبئة كبرى، وبين الهوامش التي يمكن أن تترك لحالها…لا نطلب في هذا المقام، أن تخلق الدولة “غوبلز” جديد لها، مهمته الترويج لخطاب دعائي، نمطي وفارغ، ولا أن تستعمل سلاح “الإشهار” فتمنحه لزيد وتحجبه عن عمر، ولكن أن يعي الجميع، بأن الحديث إلى المواطن وإلى المجتمع هي وظيفة أساسية، فالتواصل، يؤدي إلى الإخبار وإلى الإشراك، وإلى التعبئة، وإلى تغذية الحوار باستمرار…وفي النهاية إلى إنجاح كل المشاريع التغييرية، وإلى التخفيف من وطأة وحدة وألم بعضها، وإلى الإحساس بمحورية ودور المواطنة والمواطنين…

إن نقاشنا العمومي، أجندته واضحة، هي خليط من التحديات المهيكلة والطارئة، هي أيضا مشاريع وتصورات طموحة، نتحدث عن النموذج التنموي، عن الدولة الاجتماعية، عن المناعة لإدارة الأزمات، عن التحديث وقيم التنوير…عن مكانة بلادنا في عالم متغير…أليست هذه الاهتمامات أسمى وأولى لأن تحظى بكل عنايتنا من وقائع ثانوية، عابرة…؟؟ بلى، لكن متى سنعتبر بأن معركتنا في التواصل قد دقت ساعتها؟ إنه السؤال المحير، لأن في حالات عديدة، يعتبر مدبرونا التواصل آخر همهم، وأن التواصل بإمكان أي أحد أن يقوم به…فذاكرتنا لا زالت عالقة بها، ما تفضل به أحد الوزراء السابقين من مخاطبة الرئيس الموريتاني، وهو بالمناسبة في ضيافته، فتحول اسمه من “محمد ولد الشيخ الغزواني” إلى “ولد الشيخ العزوزي”…إنها واقعة تلخص أزمة التواصل…وفي النهاية أزمة “النقاش العمومي”…

* د. حنان أتركين نائبة برلمانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.