هل تربية الأطفال دون عقاب مجرد خرافة؟
خلص بحث في علم الأعصاب إلى أن للعقوبات الشديدة والمتكررة تأثيرا سلبيا على نمو الطفل وتطوره. وفي هذا التقرير نقدم شهادات بعض الأمهات والآباء بشأن الصعوبات التي يواجهونها في تربية أطفالهم، والتي استعرضتها الكاتبة “فلورنس بانيو” في تقرير نشرته صحيفة “لاكروا” (la-croix) الفرنسية.
تقول ديان (48 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و18 عاما، إنها تلقت تربيةً تقليدية لذلك أرادت اتباع نهج تربية أقل سلطوية مع أطفالها. وذكرت أنها كانت تعاقبهم عندما كانوا صغارا بحبسهم في غرفة بالمنزل بعيدا عن غرف نومهم، لأنها تعرف أنه لا أحد يحب أن يبقى وحيدًا، وعندما كبروا باتت تعاقبهم بحرمانهم من الخروج أو من هواتفهم.
في حين أكد بنجامان، وهو أب لطفلين (8 و10 أعوام)، أنه لم يعاقب قط أطفاله، لأنه يعتقد أن هناك الكثير من الأساليب لإقناع غيرك دون فرض رأيك عليه.
ويعتمد بنجامان في تربية أطفاله على مبدأ شرح العواقب، وجعل أطفاله يتحملون مسؤولية أفعالهم منذ الصغر. وعندما يرتبكون خطأ، يقول إنه يخاطبهم بنبرة حازمة حتى لا يعاودوا الكرة ويتأكد من أنهم فهموا توصياته.
التربية السلطوية “المتوازنة“
في حديثه عن مبدأ العقاب في التربية، يقول أخصائي علم نفس الأطفال “جيل ماري فالي”: إن “الطفل يخضع لجزء من سلطة والديه، ولكن يجب التفكير في هذه السلطة بطريقة متوازنة، وإدراك حقيقة أن العقوبة الفعالة لا تعني إيذاء الطفل أو إهانته”.
وحتى نفهم كيفية تغلغل مفهوم العقاب في التربية في مخيلة الوالدين، ينبغي العودة إلى التاريخ. ففي المجتمع الروماني، مثلا، كان رب الأسرة يتمتع بالسلطة المطلقة على جميع أفراد العائلة بما فيه مصير أطفاله (الحياة أو الموت). وكانت العقوبة البدنية في تلك الحقبة الزمنية جزءًا من أساليب التربية “الطبيعية” التي كان يُعتقد أنها ضرورية لتنشئة أطفال أسوياء ومطيعين.
وبظهور الدين المسيحي تغيرت هذه المعتقدات ولم يعد لرب الأسرة حرية التصرف في تربية أطفاله، واستمر شجب الممارسات العنيفة في التربية خلال عصر النهضة ومع فلسفة التنوير في القرن الـ18.
ومع ذلك، ظل العقاب البدني داخل الأسرة واقعًا طوال القرن الـ19 وحتى بعده، رغم انتقاده من قبل المثقفين مثل فيكتور هوغو، على حد تعبير أخصائي علم نفس الأطفال جيل ماري فالي.
تقبل المشاعر
تعتبر “كاترين دومونتاي كريمي”، مؤسسة يوم اللاعنف التربوي في فرنسا في عام 2004، من رواد دعم التربية الإيجابية في فرنسا، وهي ترى أنه “يمكن وضع حدود للطفل دون إلحاق الضرر به”.
وتنصح كاترين بتحديد السبب الكامن وراء تصرف الطفل بشكل غير لائق مثل الانزعاج الجسدي نتيجة الشعور بالتعب أو الجوع، والانزعاج العاطفي على غرار الحاجة إلى جذب الاهتمام أو مخاوف تتعلق بالمدرسة.
وحسب مستشارة التربية الإبداعية “سيلين غانيبان”، فإن تفهم ما يمر به الطفل “لا يعني الانصياع لكل طلباته. فمثلا يمكنك رفض طلبه بشأن اقتناء لعبة أو حلوى من السوبرماركت، والاستعداد لقبول شعوره بالإحباط. لكن العديد من الآباء يهددون أطفالهم بعقوبة لإنهاء نوبة البكاء التي تنتابهم بعد ذلك”.
وأكدت أن “ذرف الدموع يساعد الطفل على التخلص من هرمون التوتر والتعبير عن مشاعره وتقبلها، لذلك لا حاجة للمبالغة في العقوبة”.
التأثير العكسي للعقوبة
يُظهر بحث في علم الأعصاب أن العقوبات الشديدة والمتكررة يكون لها تأثير سلبي على نمو الطفل وتطوره. ويوضح فرانك رامو، مدير الأبحاث في قسم الدراسات المعرفية في المعهد العالي للدراسات، أن “الإساءة تؤثر على مناطق معينة من دماغ الطفل.. وقد يعتقد الآباء أن العقوبة القاسية أكثر فعالية، لكنها ليست كذلك”.
وبدلا من ذلك، يكفي عزل الطفل لمدة دقيقتين في غرفته لدفعه إلى التخلي عن السلوك غير اللائق. في المقابل يؤدي العقاب القاسي إلى توليد مشاعر سلبية لها نتائج عكسية.
إدانة السلوك وليس الطفل
يرى جيل ماري فالي أن العقوبة تكون ذات مغزى إذا كانت الغاية منها “الإصلاح”، مثل الاعتذار من صديق أخطأ في حقه أو تعويض غرض كسره، مؤكدا أن “العقاب يحرر الطفل من الذنب”. وآخر ما يحتاجه الطفل هو أن يقلل الوالدان من شأن ما يرتكبه من أخطاء.
عوضًا عن ذلك يُنصح الوالدان بعكس المنظور من خلال مكافأة السلوك الإيجابي للطفل بشكل أكثر انتظامًا، وليس فقط معاقبته كلما أخطأ. ويقول فرانك رامو إن “ابتسامة أو عناقًا أو كلمات تشجيع سيكون لها تأثير عظيم في نفس الطفل”.
المصدر : الجزيرة نت