الطلح .. كنز بيئي يقاوم قساوة الإنسان والطبيعة في الجنوب الشرقي
تعتبر شجرة الطلح من الأشجار التي تنتشر في أجزاء واسعة من الجنوب الشرقي للمغرب، وتنتمي إلى الطبقة البيومناخية الجافة والصحراوية مع درجة حرارة معتدلة إلى حارة، وفق تصريحات متطابقة لعدد من المهتمين بالمجال البيئي والتنوع النباتي.
وترمز شجرة الطلح منذ القدم إلى الصحراء، كما ارتبطت بحياة الرحل لانتشارها بشكل كبير في مناطق صحراوية لكونها تتحمل قساوة الظروف المناخية التي تمتاز بها مناطق عديدة (موطن هذه الشجرة) في الجنوب الشرقي والأقاليم الجنوبية.
وفي تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية، كشف عدد من المهتمين بالمجال البيئي والتنوع النباتي بالجنوب الشرقي للمغرب أن شجرة الطلح كانت مرشدا للإنسان الذي يعيش في البيئة الصحراوية في تحديد الاتجاهات الجغرافية، موضحين أن هذه الشجرة تكون في غالب الأحيان منحنية نحو الوجهة الجنوبية؛ ولذلك يعتمد عليها في تحديد باقي الاتجاهات.
وفي هذا الإطار، قال جمال الدين بنيحيى، مهتم بالمجال البيئي في إقليم تنغير، إن شجرة الطلح لها فوائد متعددة، سواء في صنع الأدوية الطبيعية أو في الرعي بالنسبة إلى الرحل أو في محاربة التصحر والمساهمة في التوازن الإيكولوجي في الوسط المناخي الجاف.
ثروة إيكولوجية
مسؤول بالمديرية الإقليمية لقطاع المياه والغابات بزاكورة أوضح أن شجرة الطلح المنتشرة في المناطق الصحراوية في الجنوب الشرقي والأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية تعد ثروة إيكولوجية ذات أهمية سوسيو-اقتصادية، يتعين المحافظة عليها وحمايتها من مظاهر الاستغلال المفرط من قبل الإنسان والحيوان على حد سواء.
وأوضح المصدر ذاته، الذي فضّل عدم البوح بهويته للعموم، خلال تصريح أدلى به لهسبريس، أن الطلح من الأشجار المصنفة ضمن الثروة الإيكولوجية والثروة الطبيعية الوطنية، مؤكدا أن هذه الشجرة بدأت تسير نحو الانقراض بسبب جشع الإنسان بالدرجة الأولى؛ ما يجعل حمايتها أمرا ملحا وضروريا قبل فوات الأوان.
من جانبه، قال عبد المجيد آيت طالب، من المهتمين بالبيئة في إقليم زاكورة، إن هذه الثروة الإيكولوجية تدل على العمق الحضاري للصحراء المغربية سواء في الجنوب أو الجنوب الشرقي، وتعتبر جزءا من هويتها البصرية والتاريخية، مضيفا كما أنها شكلت مصدر الغطاء الأخضر على مر التاريخ وثروة بيئية وجمالية تعود إلى قرون من الزمن.
وأضاف آيت طالب أن هذا النوع من الأشجار يجب الترافع محليا وجهويا ووطنيا بهدف لفت انتباه جميع القوى الحية بالمغرب وجميع القطاعات الرسمية إلى ما تتعرض له من تدمير لمنظومة إيكولوجية وبيولوجية مهمة.
الطلح.. كنز بيئي
تمثل شجرة الطلح قيمة متأصلة في الأقاليم الصحراوية بالمملكة المغربية سواء في جنوبها وجنوبها الشرقي، وتحظى بمكانة مهمة لدى الساكنة المحلية باعتبارها كنزا بيئيا ذا أهمية ثقافية واقتصادية وطبيعية كبيرة.
ونظرا للأهمية التي تكتسيها هذه الشجرة منذ القدم وقدرتها على مقاومة الجفاف والتغيرات المناخية، فإنه بات من الضروري إدراجها ضمن قائمة المحميات من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، على غرار باقي الأشجار من الأرز والأركان، يقول محمد مورغي نشاط بيئي.
وأضاف مورغي، في تصريح لهسبريس، أن إدراج غابات الطلح في قائمة محميات “اليونسكو” سيعطي لهذا النوع من الأشجار قيمة إضافية ويفرض على إدارات المياه والغابات القيام بحمايتها من الاجتثاث والاستغلال المفرط، مشيرا إلى أن الطلح تعرض في السنوات الماضية إلى الاستنزاف بطريقة بشعة؛ ما أدى إلى نقص عددها، وأصبح مهددا بالزوال إن لم تتدخل السلطات المعنية لحمايته.
وأجمع عدد من النشطاء البيئيين، في تصريحات متطابقة للجريدة، على أن شجر الطلح يمثل ثروة وطنية وإرثا تاريخيا وكنزا حقيقيا يلزم الجميع حمايته والتدخل بجميع الأشكال من أجل تنميته وتطويره ليكون رافعة اقتصادية وطنية، موضحين أنه بإمكان جعل الطلح مصدر دخل لميزانيات الجماعات الترابية المعنية خاصة في حالة حمايته وتثمينه.
غرس مساحات جديدة
وبالنظر إلى وجوه مساحات تقدر بآلاف الهكتارات من الأراضي التابعة للجماعات السلالية والمتنازع عليها بين القبائل والتي لم يسبق لأي من القبائل استغلالها في الزراعة، يؤكد سعيد بن دريس، من إقليم الرشيدية وواحد من الساكنة القريبة من بعض غابات الطلح، أن الدولة مطالبة بالتحرك من أجل استغلال هذه الأراضي وغرس الطلح فيها، خاصة في الأماكن التي يمكن تسجيل فيها نسبة منخفضة من المياه.
وأوضح المتحدث ذاته أن هذه المناطق القاحلة التي تتميز بمناخها الصحراوي وقلة التساقطات المطرية يمكن أن تصبح مناطق خضراء بإعادة غرس أشجار الطلح الذي لا يحتاج إلى الكثير من الماء ويستطيع التكفل به احتياجاته الخاصة في الماء عبر البحث بواسطة جذوره.
وأضاف بن دريس، في تصريح لهسبريس، أن غرس أشجار الطلح في مناطق عديدة يمكن أن يساهم في التوازن البيئي والإيكولوجي والمساهمة في خفض نسبة قلة التساقطات المطرية مستقبلا، موضحا أن غرس الطلح في الأراضي المتنازع عليها يمكن حل هذا الإشكال أيضا ويمكن تخصيص بعض عائدات الطلح مستقبلا لفائدة صناديق الجماعات السلالية لإنجاز بعض البرامج التنموية.
في المقابل، قال مصدر من الإدارة الجهوية لقطاع المياه والغابات بدرعة تافيلالت إن قطاع المياه والغابات تدارس موضوع غرس الطلح في مناسبات عديدة، ويتم إنجاز دراسة تقنية لهذا الغرض من أجل تخليف غابات الطلح وإعادة انتشارها في القريب العاجل.
وأكد المسؤول ذاته، في تصريح هاتفي لهسبريس، أن وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات (قطاع المياه والغابات) سيطلق في القريب عملية غرس الطلح في مناطق عديدة بأقاليم درعة تافيلالت المعنية.
وبخصوص حماية الطلح من الاستنزاف، أوضح المصدر ذاته أن عناصر المياه والغابات ستباشر عمليات المراقبة مع تطبيق مساطر قانونية ضد المخالفين، وفق تعبيره.
فوائد الطلح
ولهذه الشجرة المعمرة فوائد عديدة في الحياة اليومية للإنسان، حيث كان الإنسان منذ القدم يستعمل أخشابها في سقف البيوت المشيدة بالطين والحجر، للاحتماء من البرد القارس في فصل الشتاء، واتخاذه ظلا في فصل الصيف. كما أن أزهار شجرة الطلح تعتبر من مصادر غذاء النحل، ويعد عسلها من أجود أنواع العسل لفوائده الصحية الكثيرة.
كما أن للصمغ الذي تنتجه أشجار الطلح فوائد كثيرة لعلاج مجموعة من الأمراض الباطنية والخارجية، وكذا أمراض الضغط الدموي وصداع الرأس والفشل الكلوي، بالإضافة إلى فوائده الصحية التي تشبه الوصفات الطبية.
كما يعتبر الصمغ أو العلكة كنزا ظل على مدى عقود من الزمن يدر الأموال على الباحثين عنه وأصحاب المحلات الخاصة ببيع الأعشاب الطبية، إذ يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من الصمغ المستخرج من شجرة الطلح ما بين 60 و80 درهما.
إلى جانب ما ذكرناه من فوائد العلكة أو الصمغ العربي، فإن العديد من الأسر بالجنوب الشرقي تستعمله في إعداد الشاي؛ إلا أن الجفاف والتصحر اللذين بدأت تشهدهما هذه المناطق في السنوات الأخيرة وكذا العوامل البشرية ساهمت في بداية انقراض هذه الأشجار أمام أعين مسؤولي السلطات المحلية وقطاع المياه والغابات، الذين لم يولوا أي أهمية لهذا النوع من الأشجار، الذي لا يزال يتمتع بأهمية كبيرة في الموروث الشعبي بالجنوب الشرقي، خصوصا على المستوى البيئي والدوائي والاقتصادي.