تكامل التاريخ والأركيولوجيا يجمع أكاديميين في جامعة محمد الخامس بالرباط
طموح إلى تقريب الأبحاث في تخصصي التاريخ والأركيولوجيا تحمله الدورة الأولى من “ملتقيات التاريخ والتراث” التي جمعت بجامعة محمد الخامس بالعاصمة، الخميس، باحثين من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
وخلال يومي 25 و26 نونبر الجاري، يناقش أكاديميون متخصصون في التاريخ وعلوم الآثار تقاطعات التخصصين، ومقارباتهما ومناهجهما، وإشكالية التحقيب، ومستجدات البحث التاريخي والأثري بالبلاد، وقضايا معرفية في التاريخ والتراث.
وتسعى هذه الدورة الأولى من ملتقيات التاريخ والتراث إلى إبراز أن التاريخ والتراث والأركيولوجيا “روافد تصب جميعها في محيط واحد لا مجال فيه للتخصصات الضيقة”، وأن هذه العلوم في الواقع “تتكامل بما يفيد أحدها الآخر”، وهو ما تزداد أهمية تعميقه مع “السياق العملي العالمي الذي ينحو نحو تبني مقاربات بحثية وعلمية تنبني على تكامل التخصصات المتعددة”.
وفي الجلسة الافتتاحية للملتقى، أبرزت اللجنة المنظمة، في كلمة ألقاها أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس عبد العزيز الطاهري، أهمية العلمين في “معرفة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل”.
واستحضر الطاهري إسهام التراث في التنمية، والأهمية العلمية والمعرفية للحوار بين العلوم بشكل عام، والعلوم الإنسانية خاصة؛ لأن “التطور المنهاجي والإبستمولوجي والعلمي بدأ يبتعد عن المقاربات التخصصية الضيقة، وينفتح على آفاق علمية أرحب، تتلاقح فيها التخصصات المتنوعة والمناهج المختلفة للوصول إلى نتائج بحثية وعلمية أكثر شمولا وتعبيرا عن حقائق الأمور”.
وذكر المتحدث أن هذا اللقاء العلمي يروم “تجسير الصلات بين العلمين المتجاورين الدارسين لتاريخ الإنسان من خلال ما خلفه ماديا ولا ماديا، وتقريب وجهات النظر، ورسم مجالات التعاون لصالح البحث العلمي والمعرفة”.
ورغم مؤاخذة المؤرخين على الأثريين “اهتمامهم بالأثريات فقط”، ومؤاخذة الأركيولوجيين على المؤرخين “الاكتفاء بالمصادر المكتوبة”؛ إلا أن الطاهري يؤكد أن العلمين وأبحاثهما “لا غنى لهما عن بعضهما”.
من جهته تحدث جمال الدين الهاني، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، عن كون هذه الندوة تفعيلا لاتفاقية التعاون العلمي بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وأضاف: “نضع نصب أعيننا مد جسور التعاون بين الكلية والفاعلين في حقل التراث والأركيولوجيا”.
وذكر العميد أن التراث “شاهد على حضارة الأمم، وأحد أهم جوانب الحضارة الإنسانية، التي تشرح تاريخ الأمم وتعكس جوانب عيشها ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا عبر التاريخ”، ثم أبرز ما يمثله “استحضار الجهود السابقة المتراكمة من أهمية للدخول في حوار بناء حول واقع البحث، سيسهم في تحديد المواضيع التي يجب توجيه اهتمام الباحثين إليها في الجامعات المغربية”.
وعبر الهاني عن “الأمل الذي تحمله الدورة الأولى من ملتقيات التاريخ والتراث لتجاوز القطيعة بين مختلف تخصصات العلوم الإنسانية، بمنهج تكاملي، وتحسيس بأهمية ترابط العلمين؛ إضافة إلى توفير فرصة لإثارة نقاش متعدد التخصصات، يغني النقاش العلمي، لبناء رؤية جامعة لبناء التخصصات والبحث العلمي”.
بدوره، تحدث عبد الواحد بنصر، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عن “التئام هذا الملتقى بإيمان بكون التكامل والجدلية سمتَين جامعتين، وبأن التاريخ والأركيولوجيا يبقيان الرافدين الأساسين لفهم السيرورة الإنسانية، ومراحلها المختلفة، وتحولاتها، والأسباب الكامنة خلف كل فصل من فصولها”.
واعتبر بنصر هذا اللقاء “فرصة للتفكير بجد وموضوعية، وتقوية الجسور بين العلمين”، وتابع: “هو مشروع نتمناه رائدا، ليقوي جسور التشاور المنهجي بين الباحثين، والبحث الهادف الرزين الشامل”.
وسجل مدير معهد الآثار والتراث بالرباط أن “كتابة التاريخ غارقة في القدم، وهي رغبة من الإنسان في تدوين بعض من سيرورته، وهو تدوين أطنب في تدوين الحقب، وبعض أصناف الأحداث والوقائع”، وزاد: “تبقى الحاجة ماسة إلى كشف الجوانب الغامضة من تاريخ الإنسانية، وهو دور علم الآثار في القرنين الماضي والحالي”.
وتحدث الأركيولوجي والأكاديمي عن “التكامل بين المصدر المكتوب والأثري”، وقدرة هذا الأخير على “تسليط الضوء على جوانب الحياة الإنسانية كيفما كانت نوعيتها”، قبل أن يختم بالقول: “إن الأثر، المادة الأركيولوجية، يبقى مصدرا للذاكرة والمعطيات يشفي غليل المؤرخ والآثاري”.