جميع الأخبار في مكان واحد

بيكينيو: لا توجد ثقافة متوسطية .. والحضارة الغربية تقصي الأثر الإسلامي

حول البحر الأبيض المتوسط الذي جمعت شعوب حوضه تلاقُحات ثقافية ودينية ولغوية، وصراعات عسكرية وعقَديّة وسياسية واقتصادية، نُسجت، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، أحلام “أفق متوسطي”، يجمع الضفتين.

وعلى الرغم من كل ما نشأ من شراكات اقتصادية على أساس “الجوار المتوسطي” فإن أمل ثقافة مشتركة تجمع هذه البلدان يبقى بعيدا، في ظل واقع الاختلافات الحضارية أو واقع اختيار دول المتوسط “عمقها” الخاص الذي تتوجه نحوه، بعيدا عن هذا البحر الذي يمثل، اليوم، حدودا تبتلع سكان ضفته غير الأوروبية، لا معبرا للقاء.

جريدة هسبريس الإلكترونية التقت عالم الاجتماع الفرنسي برونو بيكينيو، وسألته حول واقع المتوسط، وتصوره لـ”الثقافة المتوسطية”، وانتقاده لمفهوم “الحضارة الغربية”.

هذا نص الحوار:

هل توجد اليوم ثقافة متوسطية تجمع دول حوض البحر الأبيض المتوسط؟

توجد ثقافات حول المتوسط، لها سمات مشتركة؛ ولكنها لا تشكل ثقافة متوسطية. هذا لا يعني عدم وجود ما يجمع؛ فهناك سمات مشتركة جدا بين مختلف الشعوب التي تحيط بالبحر الأبيض المتوسط، لأنها اختلطت كثيرا، وهناك أوروبيون ذهبوا إلى مختلف الأماكن، ولبنانيون، وجزائريون ومغاربة بفرنسا وألمانيا وبلجيكا وما إلى ذلك.

هذا التمازج يعطي سمات مشتركة، وأحكي لك هنا طرفة: حيث كنت في رحلة إلى سويسرا، دعاني عميد الجامعة التي استقبلتني إلى مطعم فرنسي، قلت له: كما تريد، ولو أنني أفضل مطعما سويسريا… لأجد نفسي، بعد ذلك، أمام كسكسٍ. بالنسبة إليه كان هذا الأمر بدَهيّا.

بالفعل، يوجد فرنسيون عديدون لا يطرحون حتى سؤال هل الكسكس طبق فرنسي أم جزائري أم مغربي؟… وهذا أمر جيد.

هلا وضحت معنى قولك إن الحضارة العربية الإسلامية جزء من الحضارة الغربية؟

ما أقوله هو أن هناك حضارة واحدة، نسميها غربية؛ لكنها أورو عربية مسلمة؛ بمعنى أن كثيرا من السمات الثقافية، التي أسست حداثة أوروبا الغربية وخلقت قوتها السياسية والاقتصادية التي مكنتها من الهيمنة على العالم لمدة معينة، تأتي من العالم العربي الإسلامي.

إذن، لا يمكن أن نقول بأنهما عالمان منفصلان؛ فالجذور هنا (بالمغرب)، وبالعراق وسوريا ولبنان وغيرها.

أقدم هنا مثالا بالشعر القادم من العراق، وأثره في القصيدة الفرنسية والإسبانية والإيطالية والإنجليزية… فالشعر ولد عن طريق استقدام جنوب أوروبا للشعر العراقي، وخاصة القصيدة التي نسميها اليوم الإيروتيكية أو العشقية… مع أقلمتها وتغييرها من طرف التروبادور (موسيقيون متنقلون عبر أوروبا).

إذن، لا يمكن أن نقول، من وجهة نظر فكرية، إن هناك فاصلا بين العالم العربي الإسلامي وبين ما يسمى بالحضارة الغربية؛ وأعتقد أن هذا المفهوم الأخير مفهوم سيئ.

هل تحتفظ بأمل نشوء ثقافة متوسطية تجمع البلدان المحيطة بهذا البحر؟

أنا بالأساس متفائل، ولو أنه ليس لديّ وهم. وأعتقد أنه إذا لم نكن متفائلين لن نقوم بشيء، فإذا سقطنا في فقدان الأمل والتشاؤم سنستسلم.

يجب ألا نستسلم، ولو أننا نعي أن المشاكل شنيعة. كنت في لبنان قبل شهر، وفي إسبانيا قبل 15 يوما؛ وأعرف جيدا المشاكل الكبيرة الموجودة بكل مكان، وأن هذه المشاكل ليست بسيطة، ونحتاج، دون شك، وقتا طويلا قبل أن ننجح في حلها.

مع ذلك، تجب المساهمة، ولا يمكن لنا الإسهام إلا إذا كنا متفائلين، ولو أنه يجب ألا نسقط في الوهم المطلق، فأعي تماما المشاكل الراهنة بهذه الأراضي الجغرافية والسياسية والاقتصادية والثقافية؛ لكن، آمل في هذا (ولادة ثقافة تجمع المتوسط)، هذا كل ما أستطيع قوله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.