جميع الأخبار في مكان واحد

مركز اجتماعي يخبئ قصصا مؤلمة لأشخاص دون مأوى بمدينة أزيلال

في منشأة اجتماعية بأزيلال تدعى “المركز الاجتماعي للأشخاص بدون مأوى”، تتناسل حكايات مؤلمة لمسنين ومرضى ومشردين، جمع بينهم غدر الزمان، منهم من نسي هويته وأصله، ومنهم من يرفض الحديث عن ماضيه وعلاقته بأسرته، والبعض الآخر يجعلك تتحسس آلامه الدفينة من نظرات عيونه الكئيبة.

المركز الاجتماعي المذكور يُعد ثمرة جهود مشتركة بين سلطات أزيلال والمجلس الإقليمي وفعاليات جمعوية، ويجسد نموذجا عمليا لمشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (المرحلة الثالثة)، التي تروم تحسين الظروف الإنسانية الصعبة للأشخاص بدون مأوى، والعمل على إدماجهم في المجتمع من خلال زرع بذرة أمل مضيئة في الجانب المظلم من حياة العديد منهم، وفق ما أورده هشام أحرار، ناشط مدني مسؤول على هذه المنشأة.

هشام قال: “في أزيلال، كما في غيره من الأماكن الأخرى، قد يلتقي كل واحد منّا بإنسان مشرد يقشعر شعر رأسه لحاله، كما قد تهتز مشاعره لامرأة عجوز تلتحف البرد أو رجل معمر يصارع الحياة في الشارع، والمؤسف هو أنه بمجرد ما تنتهي هذه المشاهد يتوقف هذا الإحساس، لكن أن يعايش المرء نماذج من هذه الفئات على مدى أربع سنوات، وأن يسمع أنين مسنات عاجزات عن الحركة وطاعنين في السن أخذ منهم المرض وفي حاجة يومية إلى حفاظات، فذاك أمر مختلف تماما”.

وأضاف: “هذا المركز يختزن قصصا وذكريات عديدة، تختزلها تجاعيد النزلاء واللحظات الزمنية القصيرة التي ظلت محفورة في أذهانهم، فحتى المصابون بأمراض نفسية والمختلون عقليا يتذكرون زمن الأسى والقهر، من خلال نوبات تنتابهم بين الفينة والأخرى، أما الآخرون فالصمت أضحى لديهم تعبيرا صارخا عمّا تجرّعوه من عذاب الحياة ومرارة عقوق الأبناء”.

وحكى إبراهيم، وهو رجل ستيني من أزيلال حفرت التجاعيد أخاديد على وجهه ويحمل من الهموم ما لا يقدر عليه إنسان عادي، أنه تمكن من الالتحاق بهذا المركز الاجتماعي بعدما تخلى عنه أبناؤه في أرذل العمر وأخذ منه داء فتاك رجله اليمنى، منوها بكلمات عفوية بما يبذله هشام الذي ابتلى منذ طفولته بحب المشردين من جهود لاحتضان النزلاء والنزيلات المسنين وتعويضهم عن الدفء الأسري المفقود.

وتحدث إبراهيم عن حياته بالشارع والحزن يعلو محياه، متذكرا غدر الزمان وظلم ذوي القربى، موردا أنه لم يكن يخطر بباله يوما أن يكون نزيلا بهذا المركز في خريف العمر مع مختلين عقليا ومرضى وعجائز، لكونه كان أبا “طموحا وصلبا” يعمل بشق الأنفس لبناء أسرته الصغيرة قبل أن يتخلى عنه أبناؤه.

من جانبه، حكى عقا، وهو أربعيني متحدر من آيت امحمد بإقليم أزيلال، أنه كان يشتغل بإحدى الشركات، وفجأة فقد عمله وزوجته، و”لم أتذكر كثيرا من الأحداث التي جرت لي إلى أن وجدت نفسي في هذا المركز الذي احتضنني وسهر على مساعدتي منذ عامين… بصراحة، الوضع جيد هنا وأنا راض به، لأني بدأت أستعيد عافيتي بفضل رئيس المركز الذي كان يمدني بالأدوية التي أستعملها إلى حد الآن”.

أما “مي فاظمة”، التي انتهى بها القدر وحيدة في بيت من طين كاد أن يؤدي بحياتها لولا تدخل الجيران، فترفض الحديث مع أي كان باستثناء رئيس المركز.

وعلى الرغم من أنها قضت حوالي سنة بهذا المرفق، إلا أن أملها في العودة إلى مقر سكناها للاطلاع على حال دجاجاتها لا يفارقها حتى ولو أنها لا تتذكر المكان أصلا وهي البالغة من العمر أزيد من 70 خريفا.

من أجل هذه الحالات الإنسانية وغيرها، يقول هشام أحرار، رئيس الجمعية المكلفة بالإشراف على المركز، في تصريح لهسبريس، إن جمعيته “دأبت، قبل أن يتأسس هذا المركز الاجتماعي بحلته الجديدة، على استقبال هذه الفئة من الناس التي تواجه حالة من عدم الاستقرار والتهميش والتشريد، وإيوائها، وتوفير احتياجاتها الطبية والغذائية والصحية”، مشيرا إلى أن “عددا من النزلاء سبق لهم أن استفادوا من العديد من الدورات التدريبية في مجالات الحلاقة والطبخ، وذلك بشراكة مع مؤسسة التعاون الوطني”.

وأوضح المتحدث أن “مهمة المركز لا تقتصر على توفير الإيواء لفئات اجتماعية في وضعية هشة، بل أيضا إعادة إدماجهم الاجتماعي، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء في وضعية الهشاشة، وذلك بهدف تعزيز شعور النزلاء بالانتماء الاجتماعي وجعلهم يجددون الثقة في أنفسهم”.

وفي تصريح لهسبريس، ذكر مصدر مسؤول في عمالة أزيلال أن “إحداث هذا المركز جاء نتيجة للحاجة الملحة على مستوى الإقليم لإيجاد حلول فورية وملائمة للصعوبات التي تواجه بعض الأشخاص في وضعية هشة، ويتعلق الأمر بالمسنين والأشخاص بدون مأوى والمتخلى عنهم من الآباء والأمهات”.

وأشاد المصدر نفسه بالتجربة المتميزة التي يتمتع بها رئيس الجمعية المدبرة لهذا المرفق الإنساني، الذي يعتبر الأول من نوعه على مستوى إقليم أزيلال في رعاية ومواكبة الأشخاص بدون مأوى، مشيرا إلى أن هذه المنشأة تحظى باهتمام خاص من طرف السلطات الإقليمية، وعلى رأسها عامل الإقليم محمد عطفاوي.

كما أبرز رئيس الجمعية أن “المركز الاجتماعي للأشخاص بدون مأوى لعب دورا رائدا خلال حالة الطوارئ الصحية التي أقرتها السلطات المختصة من أجل وقف انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أن ذلك لم يشفع له في الحصول على دعم معقول من طرف الجهات المانحة، باستثناء دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجلس الإقليمي لأزيلال الذي يتولى مسؤولية الإيواء والتغذية والإدارة”.

وقال المتحدث إن “المركز يقوم بمهام متعددة؛ فهو يعمل على توفير المبيت للنساء الحوامل المتحدرات من مناطق جبلية نائية اللواتي يجدن صعوبة في ولوج المستشفى أحيانا، وأحيانا للسجناء الذين يتم إطلاق سراحهم بعد إنهاء مدة عقوبتهم ويجدون صعوبة في التنقل إلى مقرات سكناهم لاعتبارات متعددة، كما يستقبل مرضى قادتهم الأقدار إلى أزيلال من جهات متعددة من المغرب”.

ومن بين الإكراهات التي تعيق عمل المركز، وفق هشام أحرار، مشكل التطبيب، ومصاريف العلاج والكهرباء والماء، والتكفل بالمرضى الذين يجدون صعوبة في الحركة، وعدم وجود سيارة إسعاف خاصة بالمركز لنقل الحالات التي يشتد مرضها في ساعات متأخرة من الليل ولإنقاذ حياة بعض المشردين، خاصة في موسم التساقطات الثلجية، في ظروف يكون من الصعب التواصل فيها مع المصالح المعنية.

وبحسرة شديدة، ذكر هشام أنه في إحدى المرات اضطر “لتهريب” أحد المرضى الذي انتقل إلى دار البقاء من المستشفى بعدما تعذر عليه أداء مصاريف السكانير، وقال: “يستحيل علينا ترك نزلائنا يموتون أمام عيوننا بمبرر عدم توفرهم على الراميد”، متسائلا: “كيف لإنسان بدون هوية ولا يدري من أي مكان أتى أن يتوفر على وثائق من هذا النوع؟”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.