ألمانيا تستفز المغرب من مليلية المحتلة
كثيرا ما تذرعت ألمانيا في العلن بأنها “لا تفهم مبررات تعليق المغرب جميع اتصالاته مع السفارة الألمانية بالرباط”، في خطوة تشبه إعلان “البراءة والتنصُّل” من مسؤوليتها عن استفزاز المغرب وتهديد مصالحه الاستراتيجية، بل إن الكثير من المسؤولين الألمان تظاهروا في الكثير من التصريحات والإعلانات الصحافية بأنهم لم يستوعبوا قط موجبات هذا الموقف المغربي.
لكن من يُمعن التدقيق في المواقف الألمانية الأخيرة إزاء المغرب وقضاياه المصيرية، يدرك جيدا، بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك فجوة كبيرة وبونا شاسعا بين التصريحات والمواقف الرسمية الألمانية، فالأولى تتشبث إعلاميا بالشراكة مع المغرب، بينما تنزع الثانية رسميا نحو استفزاز الشعب المغربي، وتقويض ثقته في ألمانيا كشريك محايد وموثوق به.
زيارة استفزازية في سياق محموم
فوجئ العديد من المغاربة بالزيارة “الأمنية والعسكرية”، التي قام بها السفير الألماني بمدريد لمدينة مليلية بحر الأسبوع الجاري، في سياق تزامن مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي للمغرب.
وقد تناقلت العديد من وسائل الإعلام الدولية والإسبانية أن السفير الألماني كان مصحوبا في هذه الزيارة بمسؤولين أمنيين واستخباراتيين، والتقى بقيادات عسكرية رفيعة المستوى في الحرس المدني الإسباني، من بينهم عقيد الحرس المدني أنطونيو سيراس، والمقدم أرتورو أورتيغا، وكذلك خوسيه مانويل جوميز، رئيس العمليات الإقليمية في القيادة العليا للشرطة.
وقد أثارت هذه الزيارة، وسياقها العام، العديد من التساؤلات حول الرسائل التي تحاول ألمانيا تبليغها للمغرب. بل إن العديد من المهتمين تساءلوا بشكل جدّي عما إذا كانت ألمانيا تعمّدت من وراء هذه الزيارة الاستفزازية توجيه رسائل متعدية القصد حتى إلى إسرائيل! خصوصا أن زيارة السفير الألماني تصادفت مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي للرباط في ظل تواتر تقارير إعلامية تتحدث عن الرغبة في إنشاء قاعدة عسكرية مشتركة بالقرب من مدينة مليلية المحتلة.
وما يغذي هذه الفرضية ويعضدها هو اقتصار السفير الألماني بمدريد على زيارة مدينة مليلية دون مدينة سبتة المحتلة، التي تعتبر المنفذ الأقرب جغرافيا إلى إسبانيا وأوروبا، والتي تطرح تحديات أكثر على مستوى مكافحة الهجرة غير المشروعة وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
واللافت أكثر في هذه الزيارة هذا “التجاسر” الألماني، المتمثل في زيارة مدينة مليلية ضمن برنامج عمل استخباراتي وعسكري، في الوقت الذي تحسب إسبانيا ألف حساب قبل أن يفكر الجالس على عرشها في زيارة هذه المدينة، التي تعتبر أراضي مغربية بالتاريخ والجغرافيا والأنثربولوجيا..الخ.
مراكمة الاستفزاز الألماني
لم تشكل زيارة السفير الألماني بمدريد لمليلية المحتلة حادثا عرضيا أو استفزازا معزولا، بل جاءت في سياق تراكمي يمكن اعتباره بمثابة “ترصيد لحملات الاستفزاز ضد المغرب”. فقد سبق لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن نشر في 23 ماي 2019 بيانا صحافيا يصدح بالعداء للمغرب والانحياز إلى خصومه في قضية وحدته الترابية.
وفي هذا البيان الصحافي، الذي صدر مباشرة بعد استقالة المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء المغربية هورست كولر، قال الوزير الألماني، الذي ستنتهي صلاحيته في غضون الأيام القليلة القادمة، “أعبر عن شكري الشخصي واحترامي العميق لهورست كولر على التزامه الحثيث. بعد أكثر من عقد من الجمود، نجح في جمع سائر الممثلين معًا على طاولة واحدة. وهكذا وضع هورست كولر الأسس لعملية تفاوض يمكن أن تؤدي إلى حل واقعي وعملي ومستدام في إطار الأمم المتحدة، بما يسمح للشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير المصير”.
وهذا التصريح الصحافي لوزير خارجية ألمانيا لا يعادي فقط مصالح المغرب، بل ينتصر لمقاربة متقادمة قطع معها نهائيا مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2007، بعدما طرح المغرب اقتراحه الجدي والواقعي المتمثل في خيار الحكم الذاتي.
فهل آن الأوان كي تدرك ألمانيا سبب امتعاض المغرب من استفزازاتها المتكررة؟ وهل ستدرك اليوم أن المواقف بين الدول تتحدد بناء على الاحترام المتبادل وعدم معاداة المصالح العليا للشعوب؟ للأسف الشديد، الشعب المغربي هو الذي بات اليوم ينظر بعين التوجس والارتياب إلى ألمانيا وليس الحكومة والسياسيين فقط، خصوصا بعدما أمعنت الدبلوماسية الألمانية في مراكمة الأخطاء والهفوات والاستفزازات التي تمس المغاربة في وحدتهم الترابية.