خبير تعليمي يبرز واقع وإكراهات التربية الدامجة للأشخاص ذوي الإعاقة
حرصا من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة على تمكين الأطفال في وضعية إعاقة من الاستفادة الكاملة من حقهم في التمدرس مع نظرائهم التلاميذ في الأقسام العادية، خضعت وثيقة الهندسة المنهاجية لأقسام الإدماج المدرسي لإعادة النظر خلال السنوات القليلة الماضية، عبر وضع “إطار مرجعي للتربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة”، ونصت على أنه يتجاوز منطق الأقسام المعزولة إلى منطق الدمج في الأقسام العادية.
وباعتبار المدرسة كلها مؤسسة دامجة تعمل على توفير شروط الدمج وضوابطه المادية والتنظيمية والبيداغوجية، فقد عملت الوزارة الوصية على القطاع على إمداد المتدخلين المعنيين بالمفاهيم والتصورات والأدوات الكفيلة بالاستيعاب الكافي لفلسفة التربية الدامجة وإجراءاتها العملية. كما أعدت الوزارة ذاتها عُدّة إجرائية لتوضيح هذا النمط من التربية وتنزيله ميدانيا من لدن كل الفاعلين المعنيين، من مديري مؤسسات تعليمية وهيئة تدريس ومسيرين ومشرفين وأسر وجمعيات مدنية متدخلة.
وبالنظر إلى أهمية هذا التوجه التربوي، فقد بذل المعنيون والمشتغلون في مجال التربية الدامجة مجهودات كبيرة لإنجاح هذا الورش التربوي منذ انطلاقه، محاولين تجاوز الصعوبات التي تعترضهم في التعامل مع التعلمات الموجهة للمستهدفين بهذه التربية، والذين يختلفون في ما بينهم حسب أصناف الإعاقة المرتبطة باضطراب طيف التوحد، والإعاقة الذهنية، والشلل الدماغي الحركي، والإعاقة السمعية، والإعاقة البصرية، واضطرابات التعلم…
العربي الربح، مفتش تربوي مكلف بالتربية الدامجة بالأكاديمية الجهوية للتربية التكوين بجهة الدار البيضاء سطات، قال إن “التربية الدامجة، التي تستمد مرجعيتها من الخطب الملكية السامية والميثاق الوطني للتربية والتكوين والرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظمة التربية والتكوين والقانون الإطار رقم 51/17، تسعى إلى الوصول إلى التعليم الشامل أو الجامع وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين وتقبل اختلافاتهم”.
وأوضح المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن “التربية الدامجة تعتبر ملفا بين قطاعي يهم مجموعة من القطاعات كالصحة والأسرة والتعاون الوطني والجماعات المحلية…، من أجل السعي إلى مجتمع دامج بمعناه الحقيقي”، مضيفا أن “هذه الغاية تطلبت القيام بمجهودات كبيرة وتحقيق تراكمات إيجابية كثيرة، بعدما كان الأطفال ذوو الإعاقات، في التسعينيات، يُعزلون مع مربية في قسم خاص وبعيد عن الحياة المدرسية”.
وأكد العربي الربح أن “النجاح في التربية الدامجة يتطلب توفير مجموعة من الشروط؛ أولها تغيير التمثلات السلبية من طرف جميع الأشخاص كيفما كانت انتماءاتهم ومواقعهم، من أجل الوصول إلى مرحلة تقبّل الأطفال بجميع اختلافاتهم، والإيمان بإمكانية إدماجهم إذا توفرت الظروف والتدابير التيسيرية، في أفق الوصول بهم إلى الاستقلالية والإدماج التام في المجتمع بصفة عامة، باعتبار المكان الطبيعي للطفل في وضعية إعاقة هو المدرسة بجانب أقرانه”.
وبعدما قال المفتش التربوي “نحن في حاجة إلى التكيف مع الأطفال في وضعية إعاقة عوض أن ننتظر تكيفهم معنا”، أكد على أهمية “توفير مجموعة من الشروط، كالولوجيات المادية والنفسية وتجنب النظرة الإحسانية تجاه هؤلاء الأطفال والشفقة عليهم، لأن المسألة هنا تتعلق بمطلب حقوقي للتمدرس، من أجل تحقيق العدل والإنصاف عوض المساواة التي تبقى غير كافية تجاه هذه الفئة من المجتمع”.
وأشار الخبير في التربية الدامجة إلى أن “الوزارة حريصة على التعبئة لإنجاح هذا الورش؛ من خلال إصدار دلائل تتعلق بالتربية الدامجة لفائدة الأستاذ والمدير والجمعيات، وبرمجة تكوينات تتعلق بمربيات التعليم الأولي والأطر التربوية والإدارية، وتنظيم حملات تحسيسية لفائدة الأسرة والجمعيات التي تقوم بدور أساسي في تفعيل التربية الدامجة عبر شراكات مع المؤسسات التعليمية والمديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية، من أجل تتبع الأطفال والمساهمة في توفير الأخصائيين الطبيين وشبه الطبيين”.
ولكي يتم تنزيل التربية الدامجة على أرض الواقع، أوضح العربي الربح أن “قسم الإدماج تحول في بعض المؤسسات التعليمية إلى قاعات الموارد للتأهيل والدعم، حيث يدرس الطفل ذو الإعاقة الخفيفة أو المتوسطة بطريقة اعتيادية مع باقي المتعلمين؛ لكنه يستفيد من حصص في الدعم داخل قاعات الموارد التي بدأ الآن تأهيلها وتجهيزها، مع بناء الولوجيات المادية والفضاءات الكفيلة بتوفير الشروط اللازمة لاستقبال الأطفال وضمان تعلمهم في وسط آمن، إضافة إلى تحديث المنهاج لشكل عام، من خلال تكييف المضامين والوسائل والطرائق والأساليب وتقنيات التدريس والمراقبة المستمرة والامتحانات…، وتوفير مجزوءات للتكوين الأساس في مراكز التكوين خاصة بالتربية الدامجة”.
وعن الإكراهات والمتطلبات، أشار الخبير في التربية الدامجة إلى ضرورة “التغطية الواسعة في التكوينات، باعتبارها مدخلا أساسيا يمكن من التعامل الموضوعي والعلمي مع الأطفال في وضعية إعاقة، خصوصا في ما يتعلق بالاضطرابات النمائية العصبية التي تتطلب تدخلا مضبوطا وعلميا حتى يحقق الغاية المنشودة منه”، و”تكثيف التكوينات وتنويعها لفائدة جميع الأطر كل من موقعه، مع تفعيل مشروع المؤسسة الدامج الذي يستحضر بعد الإعاقة في المشروع العام”.
ونبه العربي الربح إلى أهمية “الملف الطبي للتشخيص المدقق”، و”إشكالية التشخيص الطبي في المناطق التي تفتقر للأخصائيين”، و”أهمية المشروع البيداغوجي الفردي بمشاركة الأسرة والأطر الإدارية والتربوية ومرافقة الحياة المدرسية والأخصائيين كالطبيب ومقوم النطق والمقوم الحركي، والمعالج النفسي الحركي، والنفساني…
وللمساهمة أكثر في إنجاح التربية الدامجة، أكد المفتش التربوي المكلف بالتربية الدامجة بالأكاديمية الجهوية للتربية التكوين بجهة الدار البيضاء سطات على ضرورة “تنظيم وتكثيف القوافل الطبية لزيارة المؤسسات التعلمية، من أجل رصد وكشف وتشخيص الحالات المعنية بالتربية الدامجة”، و”إشراك الجماعة المحلية لتوفير الوسائل والولوجيات المادية”، و”مواصلة التكوينات للأساتذة”، و”مساعدة الأطر التربوية والإدارية في كيفية التعامل مع الطفل في وضعية إعاقة، من أجل تدخل سليم وناجع وكفيل بمساعدة الأطفال على مسايرة دراستهم عبر جميع الأسلاك”.
وختم المتحدث ذاته تصريحه لجريدة هسبريس باستحضار فئة “الأطفال في وضعية إعاقة كبار السن”، مشيرا إلى ضرورة “تفعيل مشروع التربية غير النظامية الدامجة، قصد مساعدتهم على العودة إلى المؤسسات التعليمية، وتمكينهم من اجتياز امتحانات إشهادية مكيفة، ومساعدتهم على دخول مراكز التكوين المهني”…