جميع الأخبار في مكان واحد

لكريني: موقف إسبانيا الجديد يدعم حقوق المغرب المشروعة في الصحراء

تأتي مبادرة الحكومة الإسبانية، برئاسة بيدرو سانشيز، بإعلان “مرحلة جديدة” في علاقتها بالمملكة المغربية، والزيارة التي تلتها، قبل أيام قليلة من عقد مجلس الأمن جلسته السنوية خلال الشهر الجاري لمناقشة ملف القضية الوطنية الأولى، ما يطرح أسئلة عدة حول تأثير قرار الحكومة الإسبانية على الخريطة الجيو-سياسية، ورهانات المغرب على هذه العلاقة الجديدة وغيرها للحفاظ على مكتسباته الدبلوماسية، وتسجيل المزيد من النقط الإيجابية بخصوص مقترح الحكم الذاتي.

وبهذا الصدد، أوضح الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات في كلية الحقوق بمراكش، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن القرار الإسباني خرج من دائرة الضبابية والسلبية إلى موقف إيجابي وواضح، كما جاء متناغما إلى حد كبير مع قرارات مجلس الأمن التي طالما ثمنت الجهود والمبادرات المغربية المتسمة بالواقعية ولم تعد تتحدث عن خيار الاستفتاء ومختلف الحلول المتجاوزة الأخرى.

نص الحوار كاملا:

ما معنى أن تغير إسبانيا التي كانت تستعمر الصحراء المغربية خلال الحقبة الاستعمارية في القرن الماضي موقفها من الأطروحة المغربية حول الحكم الذاتي في ظل اعتراف أمريكي سابق؟

أعتقد أن التحول الجذري الحاصل مؤخرا في الموقف الإسباني إزاء قضية الصحراء المغربية، من موقف كان يتأرجح بين الضبابية والسلبية إلى موقف إيجابي وواضح، هو نتاج للتحرك الدبلوماسي المغربي في أعقاب الأزمة الأخيرة بين البلدين، الناجمة عن استقبال الجارة الشمالية زعيم البوليساريو بشكل مستفز للمغرب، وما تلاه من رسائل دبلوماسية واضحة وصارمة تحيل إلى أن المغرب لن يقبل بشراكة انتقائية وغير متوازنة، خاصة وأنه انخرط بجدية تامة وبحسن نية في تطوير علاقاته مع إسبانيا على مختلف الواجهات، دون السقوط في أي سلوك أو تصريحات معادية لمصالحها أو وحدتها.

كما أن الموقف جاء متناغما إلى حد كبير مع قرارات مجلس الأمن التي طالما ثمنت الجهود والمبادرات المغربية المتسمة بالواقعية ولم تعد تتحدث عن خيار الاستفتاء ومختلف الحلول المتجاوزة الأخرى. وإضافة إلى ذلك، هو تعبير أيضا عن القناعة بجدية الطرح المغربي المتمثل في مشروع الحكم الذاتي الذي يوازن بين خياري الوحدة والاستقلال ويتيح للساكنة هامشا واسعا لتدبير شؤونها واستثمار الإمكانات المجالية المتاحة لخدمة مصالحها وتنميتها، وهو الخيار الذي تنهجه إسبانيا بدورها في تدبير تنوعها وكسب رهانات تنمية أقاليمها، بل إن إسبانيا نفسها واجهت خيارات الانفصال في إقليم كاتالونيا بكل قوة وصرامة، ما يجعلها مقتنعة تمام الاقتناع بمتاهات الانفصال وتداعياته الخطيرة داخليا وإقليميا ودوليا.

إلى أي حد يمكن اعتبار قرار الحكومة الإسبانية فرصة لبناء شراكة استراتيجية متعددة الأوجه بين البلدين في وقت لم يعرض على البرلمان الإسباني؟

يمثل الموقف الإسباني الرسمي الأخير لبنة حقيقية ستدعم إعادة إرساء الثقة بين البلدين، التي حاولت بعض الأطراف داخل إسبانيا في السابق خلخلتها بالدفع نحو اعتماد قرارات مسيئة وغير محسوبة العواقب، وهذه الثقة ستشكل أرضية خصبة لتطوير العلاقات نحو الأفضل بما ينسجم مع متطلبات حسن الجوار، ووجود مجموعة من الأولويات المشتركة بين الجانبين في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية تتطلب التنسيق والتعاون.

إن إسبانيا هي دولة ديمقراطية، وتوجهاتها الأخيرة نحو المغرب هي نتاج لنقاشات وتقييم لمصالحها الحقيقية وصادرة من أجهزة رسمية مختصة، وأعتقد أن الكثير من النخب البرلمانية في إسبانيا ستقتنع مع مرور الوقت بجدوى مشروع الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كمدخل لإرساء حل واقعي ومستدام للنزاع في الصحراء، وبأهمية تعزيز الشراكة مع المغرب خدمة للمصالح الحقيقية للبلدين وللمنطقة المتوسطية، علما أن التوجه الإسباني الأخير حظي بتأييد المفوضية الأوروبية.

كما يجب أن لا ننسى أن البلدين رسما خارطة طريق شاملة ومتكاملة تعكس الرغبة الحقيقة في تطوير العلاقات وإعطائها بعدا استراتيجيا كفيلا بتحصينها ضد أي رجّات أو أزمات محتملة في المستقبل.

إلى أي حد يمكن أن يؤثر هذا الموقف الجديد للحكومة الإسبانية على تقرير الأمين العام الأممي حول الصحراء الذي سيعرض على مجلس الأمن الدولي يوم 21 أبريل؟

تمكن المغرب على امتداد السنوات الأخيرة من تحقيق مجموعة من المكتسبات تتعلق بقضية الصحراء، فقد أفشل المخططات الرامية إلى إرباك الأوضاع في معبر الكركرات، وأحبط الكثير من التوجهات المبنية على افتعال الأزمات، وأقنع عددا من الدول بفتح قنصليات في كل من العيون والداخلة، فيما كان للموقف الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس السابق دونالد ترامب والذي أقرر بمغربية الصحراء، واستمرار الإدارة الأمريكية الحالية على النهج نفسه، أثر كبير على مستوى تعزيز الموقف المغربي.

وسيعزز التوجه الإسباني الجديد هذه المكتسبات التي ستكون لها تأثيرات إيجابية ملحوظة على مستوى تعاطي مجلس الأمن، بالنظر إلى الوزن الإقليمي والدولي لإسبانيا وباعتبارها الدولة التي احتلت هذه الأقاليم على امتداد سنوات عدة، وهو ما سيدعم حتما توجه مجموعة من الدول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها إلى الاقتناع بالطرح المغربي.

وبأي معنى يمكن الحديث عن رهانات المملكة المغربية على اجتماع مجلس الأمن المقبل؟

ينبغي الإشارة إلى أن قرارات مجلس الأمن قد تغيرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بشكل يدعم حقوق المغرب. ونشير في هذا السياق إلى التأكيد على دور الجزائر في النزاع، مع دعوتها المباشرة وغير المباشرة إلى المساهمة في توفير المناخ الإيجابي لتسوية هذا الملف في إطار من حسن النية، وتجديد مهمة بعثة المينورسو وربطها بمراقبة وقف إطلاق النار، وليس الاستفتاء، مع التأكيد على ضرورة بلورة حل سلمي، وواقعي، وتوافقي، ما يفهم منها رفض الحلول السابقة، ثم التأكيد على جدية ومصداقية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والإقرار بالهدوء الذي يعم الصحراء المغربية، واعتبار إرساء حل للنزاع هو بوابة لاستقرار المنطقة وأمنها ونموها، والتأكيد أيضا على أهمية الثّقة لإنجاح العملية السياسية، ثم المطالبة باحترام وقف إطلاق النار، والتوقف عن انتهاك الاتفاقات المبرمة.

إن مجلس الأمن هو جهاز سياسي، وقراراته غالبا ما تتفاعل مع المتغيرات الواقعية والتوجهات الدولية، ويبدو أن ثمة مؤشرات عديدة تؤكد أن القرار القادم للمجلس سيعزز موقف المغرب ويدعم حقوقه المشروعة على أقاليمه الجنوبية؛ فعلاوة على الموقف الإسباني الذي يعكس توجه دولة كبرى بشكل واضح من الملف، واستمرار الإدارة الأمريكية على نهج سابقتها فيما يتعلق بدعم حقوق المغرب على صحرائه، فقد توفّق المغرب أيضا في المحافظة على علاقاته الجيدة مع القوى الدولية الكبرى، وبخاصة تلك دائمة العضوية بالمجلس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.